الغزوي يكتب: حين تتحول الثروة إلى سلاح
رمزي الغزوي
لم يكن التاريخ يومًا شاهدًا على هذا القدر من التفاوت الاقتصادي بين البشر، حيث تتحول الثروة الفاحشة من مجرد أرقام مصرفية إلى أدوات تعيد تشكيل العالم وفقًا لمصالح قلة من الأثرياء. في قلب هذه الظاهرة، يقف إيلون ماسك، رمز العصر الجديد لسلطة المال المتشابكة مع السياسة، حيث لم تعد الحكومات وحدها تتحكم في القرارات المصيرية، بل أصبحت شركات التكنولوجيا العملاقة تلعب الدور الأكبر في رسم مستقبل البشرية.
في مشهد لم يكن ليتخيله أحد قبل عقود، يظهر ماسك في البيت الأبيض، بقبعته المميزة وابنه «إكس» يتدلّى من عنقه، بينما يقف أمام الصحافة ليعلن بفخر عن إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) . هذا القرار، الذي اعتبرته الإدارة الأميركية «إنجازًا اقتصاديًا»، جاء في سياق رؤية جديدة، وحيث تُحسب كل خطوة بميزان الربح والخسارة.
على الورق، لم تكن تكلفة هذه الوكالة تتجاوز 65 مليار دولار سنويًا، وهي نسبة ضئيلة من الميزانية الفيدرالية، لكنها مثلت عائقًا أمام العقلية الاقتصادية الجديدة التي تتبناها نخبة «مافيا باي بال»، تلك المجموعة من رجال الأعمال الذين صنعوا ثرواتهم في وادي السيليكون، ثم انتقلوا إلى ساحة السياسة ليحكموا بمنطق السوق.
لم تكن المساعدات الإنسانية في أفريقيا، ولا المشاريع التنموية في دول العالم الثالث، سوى «هدر للموارد» في نظر هذه النخبة. فالمنطق الذي يحكم قراراتهم بسيط: «كم سنربح من وراء هذا؟». هذا السؤال أصبح يمتد تأثيره من سياسات المناخ إلى قضايا الحروب والنزاعات.
اليوم، لم تعد شركات التكنولوجيا مجرد كيانات اقتصادية، بل باتت تمتلك نفوذًا يعادل أو حتى يفوق قوة الدول العظمى. لم يعد من الممكن تحدي «غوغل»، أو «أمازون»، أو «إكس»، ليس فقط بسبب قوتها التقنية، ولكن لأن هذه الشركات تتمتع بحماية سياسية مطلقة، قادرة على التأثير في القرارات العالمية.
في ظل هذه التحولات، يزداد التساؤل: هل نحن أمام مستقبل يتحكم فيه قلة من المليارديرات بمصير العالم؟ يبدو أن الأمر لم يعد مجرد نظرية، بل حقيقة تتشكل أمام أعيننا، والعالم بأسره يقف على حافة تغييرات قد تعيد رسم خريطة السلطة كما لم نشهد من قبل.