عايش يكتب: تضخم التضخم
حسام عايش
كشفت بيانات دائرة الاحصاءات العامة، ارتفاع معدل التضخم لشهر كانون الثاني 2025 بنسبة 2.29% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024، الذي بلغ معدل التضخم فيه نحو 1.56%، مقارنة بمعدل 2.1% للعام 2023، و4.2% للعام 2022، ما يظهر ان معدل التضخم يتراجع، لكن هل هذه هي الحقيقيقة؟ من حيث الشكل نعم، ومن حيث المضمون لا.
من حيث الشكل، يظهر معدل التضخم انخفاضا بوصوله الى 1.56% في2024، وباقل حتى من معدل 2% المحدد من الفيدرالي الاميركي كمتوسط زيادة للأسعار في الاقتصاد كل عام، ولعل ذلك يعطي المركزي الاردني افضلية باتخاذ قرارات نقدية تحفز العملية الاقتصادية.
اما من حيث المضمون، يعكس معدل التضخم التراكمي- الذي يشير إلى إجمالي الزيادة في الأسعار عبر فترة زمنية محددة شهورًا أو سنوات، ويمثل مجموع معدلات التضخم السنوية أو الفترية التي حدثت خلال تلك الفترة - وبشكل أفضل تأثير التضخم على القوة الشرائية بمرور الوقت. هذا المعدل، الذي بلغ خلال الفترة بين 2022 -2025، نحو 10.4% تقريبا، وفق معادلة الاحتساب التالية((1+4.2% )× (1+2.1%) × (1+1.56% ) × (1+2.29) – 1) × 100 =10.4%
ما يعني، أن الأسعار في الفترة من 2022 إلى 2025، قد ارتفعت بشكل إجمالي بنسبة 10.4%، مقارنة بما كانت عليه في بداية 2022. وبعبارة أخرى، إذا اشترى المستهلك سلعة في 2022 بسعر 100 قرش؛ فإن شراء نفس السلعة في العام 2025 ستكلفه 110.4 قرشا.
وبالتالي، ومن حيث المضمون، يتكرس الشعور بتاثير التضخم تراكميا على الاسعار- وان كانت نسبة ارتفاعه اقل حدة بالمقارنة مع العام 2022 مثلا- الامر الذي يفسر الى حد كبير شكوى الناس من وطأة ارتفاع الاسعار، وتراجع القوة الشرائية لديهم - تقاس عادة بمستوى الدخل المُتاح للفرد وبالمستوى العام للاسعار –.
يذكرنا، شعور الناس، بوطأة التضخم التراكمي، على قدرتهم الشرائية، بشعورهم، بوطاة الحرارة المرتفعة في ساعات ما بعد الظهر صيفا، بسبب تراكم الإشعاع الشمسي، وبسبب الحرارة التي يتم امتصاصها من الأرض. وبشعورهم، بوطأة البرودة الشديدة في ساعات الليل المتاخرة والصباح الباكر شتاء، بسبب تراكم تبريد الهواء بعد فقدان الحرارة من الأرض، حيث التحذير المواطنين والسكان بضرورة الاحتياط منهما.
لكن، ومع ان ما يماثل احساس الحرارة والبرودة، هو ما يحس به المستهلكون من ارتفاع الاسعار والخدمات بسبب التضخم التراكمي، الا ان احدا لا ينبههم لضرورة اخذ الحيطة والحذر من مخاطر تراكم ارتفاع الاسعار، بل تذهب الرواية المعلنة للتقليل من وقع هذا الشعور بالاستشهاد بمعدل التضخم المنخفض، مع ان اسباب هذا التضخم للشهر الاول من ،2025 تكاد تكون شملت معظم مكونات سلة المستهلك من سلع اساسية، اوكمالية أو استهلاكية، اوخدمية، او متاثرة بتكاليف الانتاج، او بسياسات اقتصادية خارجية.
من هنا ربما نفسر ولو جزئيا، لماذا يتم تغيير سنة الأساس لاحتساب التضخم- صحيح ان تغيير السنة تمليه مستجدات اقتصادية محلية وعالمية وتغيرات في نمط الاستهلاك والتغير في سلة المستهلك وتحديثها او تسوية مقارنات التضخم عبر الوقت وغيرها- حيث فكرة منع تراكم القياسات سنويًا على امتداد فترة زمنية طويلة يؤدي الى تأثير التضخم على التضخم وبالتالي تسجيل ابراز الارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم .
دائما، لا بد من إدارة التوقعات التضخمية باستمرار عبر الاستراتيجيات والسياسات التي يتبناها البنك المركزي بما في ذلك اسعار الفائدة، لتوجيه توقعات الناس والشركات والمستثمرين بشأن مستوى التضخم الان وفي المستقبل، ولمنع التضخم المفرط او الانكماش، ولتقليل التذبذبات الاقتصادية وتحقيق استقرار الأسعار.