جرار يكتب: في خدمة ملك ورئيس

  بشار جرار 

ما دام عالمنا تحت رحمة العالم الافتراضي، لنفترض أن لجنة ما لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، جرى تشكيلها تحت مسمى «في خدمة الملك والرئيس». المراد بذلك هو جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس ترمب. وهب أن إيلون ماسك المحب قطعا للملك والرئيس لما يمثلانه كقائدين محافظين متمسكين بقيم الأسرة والمجتمع المحافظ، من خدمة لشعاري الأردن أولا وأمريكا أولا، هب أنه سخّر الذكاء الاصطناعي لخدمة أعضاء تلك اللجنة المباركة. أول ما سيتم الاتفاق عليه قد يكون على الأرجح، تنحية الفئات التالية جانبا على الأقل لعامين، حتى الانتخابات التمهيدية أو التجديد النصفي للكونغرس، وما يحمله من مؤشرات على ما تبقّى من السنوات الأربع الرئاسية في ولاية دونالد ترامب الأخيرة، وهي كما أوضحت في مقالات سابقة، إنما هي ولاية ثالثة لا ثانية، لأن الغياب عن البيت الأبيض إبان سلفه جو بايدن لم يكن هكذا في الوقت الضائع، بل كان لترامب وحركة «ماغا» وأجندة «أمريكا أولا»، حضور أخّاذ، أمريكيا وعالميا.

خمس فئات لا بد من تنحيتها، ولا أتردد بالقول شطبها إلى الأبد في عالم اليوم الذي لا نملك فيه ترف الأخطاء القاتلة: الرؤوس الحامية، الأنوف المتورمة، الكاثوليكيين أكثر من البابا، بمعنى الغلاة الذين يزاودن حتى على «معلّمهم» الذين يظنون أنهم يخدمونه بإخلاص وأمانة، وأخيرا أبناء اللحظة والصدفة! هم على التوالي المتطرفون سريعو الانفعال -خيره وشره- والمزهوّن ونقيضهم المنسحقون، الميالون للغرور فالكِبَر فالعناد، والغُلاة -المحب منهم والمبغض لشخص أو أجندة- لدرجة تؤثر سلبا على تقديرهم للأمور في حجمها الطبيعي والأهم تداعياتها ومدياتها. وأخيرا الارتجاليون الانتهازيون الذين ارتأيت تسميتهم بأبناء اللحظة والصدفة احتراما للمقام.

يجانب الصواب كثيرا من لا يرى بوضوح الفارق بين فريق ترمب وإدارة الرئيس وجميع ما سبق ينطبق على بعضهم سواء في الإدارة الأولى أو الأخيرة لترامب وفريقيه. ومن الخطورة أكثر عدم فهم شخصية وأجندة أهم أعضاء الفريق الإعلامي، على وجه الخصوص. على مدى خدمة ليست بالقصيرة ولا هي بالحصرية في القطاع العام أو الخاص في عدة ساحات منها الأمريكية والبريطانية والخليجية والأردنية، لطلما شهدت بما لا يسمح المقام بتفصيله، ذلك السجال بين السياسي والإعلامي، من يخدم الآخر؟ 

تماما كمن يتساءل البعض عن أيهما أعلى منزلة أو الأرسى قاعدة، الأمن أم الاقتصاد أم السياسة؟ وقد تعمدت ترتيبها حسب الأهمية. الإجابة واحدة، الكل في خدمة «الزعيم» عندما يقترب أكثر من الكاريزما على حساب المكتب والموقع والمكانة، وتلك مفاهيم قد تتقاطع وقد تتنافر. ثمة ملوك ورؤساء وقادة لا تحسن قراءتهم، صامتين كانوا أم ناطقين إلا من خلال الفهم الأمين لتأثير تلك الدائرة المصغرة حول «القائد» عليه وعلى أجندته. صحيح أن الأمر يبدأ باختيار ترمب لفريقه، لكن حساسيته المفرطة من قضية الولاء، جعلته يذكّر الجميع بأن شرط نجاح أجندته الأول، هو اختيار المخلِصين أولا ومن ثم الأقدر على التنفيذ مرحليا، فلا شيء دائم عند ذلك النمط من القيادة أو الإدارة. رجال الأعمال والمقاولات والتطوير العقاري على نحو خاص لديهم حساسية مفرطة لمرحلية المشاريع! لكل رجالها وسماسرتها ومتعهديها ومروجيها.

مرة أخرى، وفي حدود ما يسمح به المقام، أرى أن أهم عضو في فريق وإدارة ترمب على حد سواء هو دان سكافينو، رجل الإعلام والاتصال السياسي الاستراتيجي الفذ بكل معنى الكلمة، حتى لو اختلفت معه أو مع أجندته، فكثير من رسائله قطعية حادة أقل ما يقال فيها أنها استفزازية. كثير من الترتيبات التي جرت في «الثلاثاء العظيم» ومنها عدد الكاميرات وزواياها، خاصة الفوتوغرافيات والفيديوهات الثابتة والجوّالة، كانت على نحو شبه مؤكد، من صنع يديه ولمسات أصابعه. أبناء «الكار» كما يقال يفهمون على بعضهم بعضا، يعرفون رسائلهم المباشرة والمبطّنة والمشفّرة. لكل كما يقال في عالم النجومية، ال «سِّغْنِتْشِرْ» الخاص به. مقارنة على مسافة أسبوع واحد، تشير بوضوح إلى ما تم الإعداد له مسبقا بعناية، وهو ما كان بالإمكان توقعه مسبقا، والإعداد لمواجهته مسبقا أيضا. هذا لا يعني ما مضى أبدا بل الاستعداد لما هو آت. هذه معركة إرادات من ساحاتها الحضور الإعلامي المؤثر والمستدام، أقله لعامين والأرجح لأربع سنوات بالتمام والكمال، قد تليها ولايتان جمهوريتان، إن استمر النجاح بهذا الزخم، حتى لو عارضه الديموقراطيون الأميركيون وتيارات اليسار المتطرف والعولمة المتوغلة المتنمّرة والإسلام السياسي والعسكري «الانتهازي» الذي تحالف مع الإدارات الديموقراطية سيما الرئيس الأسبق باراك حسين أوباما.

بكل الأحوال ليس هذا هو المهم الآن، فالأمر صار ماضيا، وتحوّل برعاية المولى عز وجل، وبحنكة وحكمة ومحبة سيدنا إلى نصر دبلوماسي يُدرّس أكاديميا ويناقش بحثيا، في عالم السياسة وعوالم الصحافة. المهم الآن هو لا كما يقال احتواء الضرر بل العكس، الأهم هو البناء على ما تم من خمس زوايا: الرد الملكي الهاشمي الأردني في البيت الأبيض، بيان المتحدثة باسم البيت الأبيض الواضح في رفض سيدنا للتهجير والتوطين رفضا قاطعا نهائيا، فيديو ترامب من المكتب البيضاوي المكرس للتعبير عن حبه وإعجابه بسيدنا والشعب الأردني، والصوت العالي لأبناء الأردن الأوفياء للقائد والعرش والجيش وتواري قوى أخرى عن الأنظار وإن تحدث أحدهم أو نفر قليل منهم، فبصوت خافت أو بلغة حمّالة أوجه، أو كما في العامية «مْوَجْهَنِة» ما زالت تخطب ودّ إيران وتغازل دعاة التهجير والتوطين عن بعد! من يرصد الذباب والدبابير الالكترونية يسمع العجب العجب بذاءة ووضاعة وخيانة.

لا بد من كسب الأصدقاء وتنحية أو على الأقل تحييد الأعداء والمشوشين والمشتتين من أي فريق كان. من كان صادقا مخلصا في خدمة الملك وخدمة الرئيس، يضع نصب عينه شعاري الأردن أولا وأمريكا أولا، مما يجعل الفريقين والإدارتين في شراكة حميمة لا جفاء ولا خصومة. هذا ممكن إن صدقت النوايا، وما زلنا من المؤمنين يقينا بأن الله محب وحامي صنّاع السلام الحقيقيين الذين يعلمون كقادة أن خدمة الناس هي الأمانة الأولى لكل راع، وكلنا في ذلك أمام الله سواء.