ما يجب أن يطرح في قمة الرياض... كراجه يوضح لـ"أخبار الأردن"

قال الكاتب والمحامي سائد كراجه إن قمة الرياض تنعقد في ظل سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، يتجلى في منطقتنا بحملة أمريكية - إسرائيلية تستهدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوة العسكرية من جهة، عبر الحروب التي تشنها إسرائيل - وبتدخل مباشر من الولايات المتحدة - على غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن، ومن جهة أخرى، عبر ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية التنمّر"، التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه، بعدائية تجاه الشرق الأوسط والدول العربية، لينتهي هذا المسار أخيرًا إلى محاولة تغيير جوهري في خريطة المنطقة، وكما هو المعتاد، لصالح المشروع الصهيوني.

وأوضح كراجه، في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن هذا المخطط، الذي يستهدف إعادة رسم المشهد السياسي والجغرافي للمنطقة، يقوم على جملة من الأهداف الاستراتيجية، في مقدّمتها القضاء على فكرة المقاومة الفلسطينية والعربية، من خلال زرع قناعة بعدم جدواها، بالإضافة إلى تكريس مفهوم الدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية، مضيفًا أن هذا المخطط يستلزم عمليًا تهجير الفلسطينيين بالكامل من غزة والضفة الغربية، وإغلاق ملف القضية الفلسطينية بصورة نهائية، عبر فرض التطبيع الشامل مع الدول العربية، فضلًا عن الإبقاء على حالة الصراع مع إيران والفصائل الفلسطينية المقاومة، بما يضمن استمرار تدفق الدعم العسكري والمالي لإسرائيل تحت ذريعة التهديد الأمني المتواصل.

ورغم أن هذا المشروع كان يُقدَّم سابقًا باعتباره استهدافًا لما يسمى "محور المقاومة" المصنَّف إرهابيًا وفق الرواية الإسرائيلية والغربية، إلا أن المتغير الجوهري اليوم لا يكمن في جوهر المخطط، بقدر ما يتمثل في انتقاله إلى مرحلة التنفيذ المباشر بالقوة العسكرية، واستبدال وهم السلام والمفاوضات - الذي استخدمته إسرائيل لعقود لغايات ضم الأرض - بسياسة فرض الأمر الواقع، مدعومة بدبلوماسية التنمر.

وأشار كراجه إلى أن الأخطر في هذا التحول، هو أن استراتيجية إسرائيل وأمريكا أصبحت تستهدف علنًا مصالح الدول العربية التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، مثل الأردن، ومصر، والسلطة الفلسطينية، ما يجعل المشروع الصهيوني يدخل مرحلة أكثر جرأة ووضوحًا، تتجاوز المناورات السياسية التقليدية، وصولًا إلى فرض الوقائع على الأرض بلا مواربة.

وفي ضوء هذه المعطيات، أكد كراجه ضرورة إدراك أن تركيز القمة على رفض التهجير، دون وضع ذلك في سياق أوسع، يُعد خطأً استراتيجيًا، إذ ينبغي أن يكون الموقف العربي أكثر صلابة ووضوحًا، عبر التأكيد على أن إسرائيل، من خلال هذا المخطط، تعيد الصراع العربي - الإسرائيلي إلى جذوره الحقيقية، بوصفه صراع وجود، وليس مجرد نزاع حدودي أو خلاف تفاوضي.

وانطلاقًا من ذلك، يصبح من اللازم أن تُعيد القمة ترتيب الأولويات، عبر التشديد على أن أصل المشكلة في الشرق الأوسط هو الاحتلال الإسرائيلي، وأن إنهاء هذا الاحتلال هو السبيل الأسرع والأكثر جدوى لحل النزاع، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني لديه هوية تاريخية وحقوقية ما يجعل حقه في تقرير المصير بعد زوال الاحتلال، حقًا ثابتًا لا يمكن التنازل عنه أو الالتفاف عليه.

ونوّه كراجه إلى أهمية العودة إلى الأسس الجوهرية للقضية الفلسطينية، عبر تبني تحرك استراتيجي يعيد وضع الخطاب والمطالب العربية في سياقها التاريخي، والحقوقي، والإنساني، بما يجعل من خيار التهجير طرحًا مرفوضًا شكلًا وموضوعًا، لمخالفته الحقوق الفلسطينية التي أقرتها القرارات والمواثيق الدولية.

وفيما يتعلق بردة فعل الولايات المتحدة تجاه هذه القمة، أشار كراجه إلى أن السؤال الأكثر أهمية لا يرتبط بنظرة واشنطن إلى القمة، وإنما بنظرة أصحاب القمة لها، ولدورها في هذه المرحلة، داعيًا إلى ضرورة ألا يكون الموقف العربي استجابة سلبية للإملاءات الأمريكية، ذلك أن القمة يجب أن تتبنى موقفًا سياسيًا ندّيًا، قادرًا على التأثير في المشهد الدولي. 

وحتى في إطار الدعوات التي تنادي بعدم الاحتكاك مع الولايات المتحدة، ينبغي أن تُقدّم القمة نفسها شريكًا استراتيجيًا، قادر على عرض رؤية واضحة لأمريكا، تدفعها للتخلي عن خيار التهجير، واعتماد مسار أكثر توازنًا يهدف إلى تسوية النزاع على أسس تشاركية، بما يضمن الاستقرار الإقليمي.

واستطرد كراجه قائلًا إن الموقف العربي المطلوب يجب أن يستند إلى مجموعة من الخطوات العملية، على رأسها الإعلان الفوري عن إنشاء صندوق عالمي لإعادة إعمار غزة، برأس مال أولي قدره 10 مليارات دولار، يتم تمويله من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية، بهدف خلق حاضنة دولية لمشروع إعادة الإعمار، بما يقطع الطريق على أي محاولات لفرض التهجير كأمر واقع، إلى جانب ضرورة تقديم خطط هندسية تفصيلية تدمج بين إعادة الإعمار وبقاء السكان في أماكنهم، لافتًا إلى أن لدى مصر تصورًا عمليًا بهذا الشأن يمكن البناء عليه.

أما على المستوى السياسي، فرأى كراجه أنه يجب إعادة طرح المبادرة العربية للسلام، باعتبارها المرجعية الأساسية لأي تسوية مستقبلية، مع التركيز على أن كلفة مشروع السلام أقل بكثير من كلفة استمرار النزاع الذي تفرضه سياسات التهجير القسري، مشيرًا إلى أن تعنّت إسرائيل في هذا السياق، لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما لا يخدم المصالح الأمريكية على المدى البعيد.

وأضاف أنه من الضروري تقديم ورقة تحليلية تُجري مقارنة دقيقة بين كلفة خيار الحرب الذي تفرضه إسرائيل، وكلفة خيار السلام الذي تطرحه الدول العربية، مع التلميح إلى أن استمرار التصعيد في المنطقة، يمنح الصين فرصة تاريخية لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، بما قد ينعكس سلبًا على المصالح الأمريكية والغربية عمومًا.

واختتم كراجه حديثه بالتأكيد على أن المواجهة اليوم لم تعد مجرد اختبار قوة بين طرفين، بقدر ما هي صراع إرادات، يستوجب مقاربة استراتيجية شاملة، لا تقتصر على الرفض والإدانة، وتتجاوز ذلك إلى تقديم بدائل عملية تجعل من مشروع التهجير خيارًا مستحيلًا، وتؤكد أن الحل الوحيد الممكن هو إنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة في وطنهم.