الماضي لـ"أخبار الأردن": هذا ما يجب أن يقال عن المشهد

قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إنه في خضم التفاعلات السياسية التي أعقبت البيان الصادر عن البيت الأبيض، تعالت أصوات بعض الأطراف التي سعت إلى تشويه الحقائق، متعمدةً حرف الأنظار عن جوهر اللقاء الملكي وتداعياته الاستراتيجية. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المحاولات تخلصت من شكلها كتأويلات عابرة، وامتدت إلى محاولات منظمة تهدف إلى خلق انطباعات زائفة، مستندةً إلى فبركة مقصودة تستهدف الأردن وقيادته. 

وبيّن الماضي أن الرد الأردني لم يكن مقتصرًا على التصريحات الرسمية فحسب، فقد جاء مدعومًا بتفاعل شعبي واسع، ارتقى إلى مستوى الالتفاف الوطني العفوي حول ثوابت الدولة، مدعومًا بمواقف عربية صادقة، خصوصًا من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، اللتين أكدتا على عمق التفاهم المشترك ووضوح الرؤية تجاه الملفات المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي لم تكن يومًا بالنسبة للأردن مسألة تكتيكية عابرة، إذ لم ينظر إليها الأردن في يوم من الأيام من زاوية الحسابات السياسية الضيقة، وإنما باعتبارها قضية وجودية تتصل ارتباطًا وثيقًا باستقرار المنطقة برمتها، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصالحه الوطنية العليا، حيث تشكل حجر الزاوية في عقيدته السياسية، التي تتبنى بوضوح لا يقبل التأويل مبدأ دعم الحق الفلسطيني في تقرير المصير، كضمانة أساسية للحفاظ على الهوية الفلسطينية، وكخط دفاع أول في مواجهة أي مخططات تهدف إلى تصفية القضية أو تحوير مساراتها.

وذكر أنه إذ كان البعض قد حاول حصر مخرجات الزيارة الملكية في نطاق الوثائق الرسمية التي نشرتها وسائل الإعلام، متجاهلين بطبيعة الحال أن ما يُطرح في العلن لا يعكس بالضرورة حقيقة المداولات التي تُجرى في أروقة صنع القرار، فإن التقييم الموضوعي لهذا اللقاء يقتضي النظر بعمق في طبيعة الحوارات غير المعلنة التي جرت خلف الأبواب المغلقة، حيث تتجلى المواقف الحقيقية بعيدًا عن قوالب الدبلوماسية التقليدية، وحيث يتم ترسيم حدود النفوذ والتأثير بين مختلف الأطراف الفاعلة، مضيفًا أن أي محاولة لقراءة الحدث دون إدراك أبعاده الكاملة تُعد اجتزاءً يفتقر إلى الدقة، ويقع في فخ التفسيرات الاختزالية التي لا تلامس جوهر الموقف الأردني، الذي لم يكن يومًا موقفًا انفعاليًا آنيًا، بقدر ما هو امتداد لاستراتيجية طويلة الأمد، تستند إلى أسس راسخة لا تتغير بتغير الظروف.

وإذا كان البعض قد سعى إلى رسم صورة مغايرة لحقيقة الدور الأردني من خلال اجتزاء اللحظات البروتوكولية التي وثّقتها الكاميرات، فإن تجاهل البعد الأعمق لهذا اللقاء ينطوي على قصور في الفهم، لأن الملك عبد الله الثاني، بصفته قائدًا لدولة ذات سيادة، لا يمكن أن يُختزل في لحظات إعلامية عابرة، ولا يمكن أن يُعامل كطرف يخضع للضغوط أو يبدل مواقفه وفق مقتضيات اللحظة، فهو يتحرك ضمن رؤية واضحة المعالم، تقوم على الالتزام بالثوابت الوطنية، وتستند إلى مبادئ السياسة الواقعية التي توازن بين ضرورات المصالح الوطنية والاستحقاقات الإقليمية، مُؤكدًا أن المصالح الوطنية الأردنية تبقى فوق كل الاعتبارات، وأن الأردن لن يكون يومًا جزءًا من مشاريع تلتف على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، أو تفتح المجال أمام ترتيبات قد تؤدي إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة بما يتعارض مع مبادئ العدالة الدولية.

ولفت الماضي الانتباه إلى أن القراءة المتأنية للبيان الأمريكي الذي صدر عقب اللقاء، وما تبعه من رسائل سياسية، تكشف بوضوح أن الموقف الأمريكي لم يتشكل في فراغ، وإنما نتيجة مباشرة لقناعة تبلورت لدى صناع القرار في واشنطن، نتيجةً لما طُرح في الاجتماعات غير المعلنة، والتي أعادت ضبط التوجهات الأمريكية تجاه الأردن ودوره الإقليمي، حيث واجهت الرواية الأردنية - العربية الرواية الإسرائيلية التي حملها نتنياهو إلى البيت الأبيض، وبذلك، فإن إعادة إنتاج الخطاب الأمريكي بشأن الأردن تعد انعكاسًا لفهم أعمق استند إلى معطيات رسختها القيادة الأردنية خلال المباحثات المغلقة، في ظل تفاعل سياسي ودبلوماسي مدروس، جاء متسقًا مع زخم شعبي داعم، وإسناد عربي صلب، جسدته تحركات دبلوماسية وإعلامية مكثفة، قادها وزير الخارجية الأردني، في سياق أوسع استهدف تعزيز الرواية الأردنية على المستويين الإقليمي والدولي، وفرضها كمرجعية رئيسية في أي مسار تفاوضي مستقبلي.

واستطرد قائلًا إنه مع هذه التطورات المتسارعة، فإن المشهد السياسي مرشح لمزيد من التحولات، خصوصًا فيما يتعلق بملف قطاع غزة، الذي يشهد حاليًا تحركات تهدف إلى إعادة الإعمار ضمن رؤية سياسية جديدة، تتطلب استيعابًا فلسطينيًا أعمق للمتغيرات الحاصلة، وتستلزم انخراطًا أكثر فاعلية في مسارات ترتكز على قراءة دقيقة لموازين القوى، وتقوم على استشراف أوسع للسيناريوهات المحتملة، بما يضمن الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، ويحول دون تمرير أي حلول لا تتسق مع المصالح الجوهرية للشعب الفلسطيني، أو تتعارض مع الموقف الأردني الثابت، الذي يستند إلى الشرعية الدولية، ويتحرك وفق أسس واضحة، لا تقبل الالتفاف أو المناورة.