الأمن السيبراني في الأردن وحماية الأمن القومي... خبير يوضح

 

قال استشاري الذكاء الاصطناعي والتحول الرقميّ المهندس هاني البطش أن الأمن السيبراني أصبح عنصرًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار الوطني وضمان حماية المصالح الحيوية للدولة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مع تصاعد وتيرة الهجمات الإلكترونية وتعقيد أساليبها، أضحى تقييم البنية التحتية للأمن السيبراني في الأردن ضرورة استراتيجية تتطلب مقاربة متكاملة تجمع بين التحليل التشريعي، والتقييم التقني، واستشراف السياسات المستقبلية، فضلًا عن دراسة التهديدات السيبرانية ضمن إطارها الجيوستراتيجي.

وبيّن البطش أن الإطار التشريعي والتنظيمي يشكل الدعامة الأساسية لتمكين منظومة الأمن السيبراني، إذ يتطلب ضمان بيئة سيبرانية آمنة وجود تشريعات صارمة تواكب المستجدات التقنية وتتصدى للتهديدات الرقمية الناشئة، مضيفًا أن قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2010 يمثل - وفي هذا السياق - الإطار القانوني الأساسي الذي يجرّم الاختراقات غير المشروعة، وعمليات الاحتيال الإلكتروني، والتجسس السيبراني، إضافةً إلى الهجمات التي تستهدف تعطيل الأنظمة الرقمية، إذ إن فاعلية هذا القانون مرهونة بمدى قدرته على التكيف مع التحولات السريعة في أساليب الهجوم السيبراني، ما يفرض الحاجة إلى مراجعات دورية تكفل تحديث مواده بما يتماشى مع تطور المخاطر الإلكترونية.

وفي سياقٍ موازٍ، جاءت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2024-2028 لتعكس إدراك الدولة لأهمية وضع سياسات شمولية ترتكز على تعزيز الجاهزية السيبرانية، وتطوير البنية التحتية الأمنية، ورفع مستوى التنسيق بين القطاعات المختلفة، فضلًا عن تعزيز التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بالأمن السيبراني، وفقًا لما صرّح به البطش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأشار إلى أن التحدي الجوهري يكمن في مدى القدرة على تنفيذ هذه الاستراتيجية بفعالية، ذلك أن ترجمتها إلى إجراءات عملية تستوجب استثمارات ضخمة في مجال تطوير البنية التحتية التكنولوجية، إلى جانب بناء كوادر بشرية مؤهلة قادرة على التعامل مع تعقيدات البيئة السيبرانية.
على الصعيد التقني، ذكر أن البنية التحتية للأمن السيبراني تمثل العمود الفقري لمنظومة الحماية الرقمية، إذ تعتمد الدولة على مجموعة من الأنظمة المتطورة لرصد التهديدات والتعامل معها في الزمن الحقيقي، وفي هذا الإطار، تعمل مراكز العمليات الأمنية على تطبيق آليات متقدمة لمراقبة الشبكات، حيث تعتمد على أنظمة كشف التسلل وتحليلات البيانات الضخمة لاكتشاف الأنماط غير الطبيعية في حركة البيانات، إلى جانب ما تمثله أنظمة منع التسلل من خط الدفاع الأول ضد الهجمات الإلكترونية، إذ تتيح قدرات استباقية تحول دون تنفيذ التهديدات قبل أن تلحق الضرر بالبنية الرقمية.

واستطرد البطش قائلًا إن التحديات لا تزال ماثلة، فهي تتطلب تحديثًا مستمرًا للأدوات الأمنية، مما يستدعي توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات التحليل والتنبؤ بالتهديدات المحتملة.

أما فيما يتعلق بالدبلوماسية السيبرانية والتعاون الدولي، فإن الطبيعة العابرة للحدود للهجمات الإلكترونية تفرض على الدول تبني استراتيجيات تعاون متعددة المستويات، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ومن هذا المنطلق، يعزز الأردن شراكاته مع منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي للاتصالات، إلى جانب الانخراط في مبادرات تعنى بتبادل المعلومات حول التهديدات السيبرانية، ففعالية هذه الشراكات تظل مشروطة بمدى القدرة على استثمار المعلومات الأمنية في تطوير آليات دفاعية متقدمة، إذ إن تبادل المعلومات لا يكون ذا جدوى ما لم يُترجم إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وفقًا لما ذكره لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت البطش الانتباه إلى أنه لا يمكن تحقيق أمن سيبراني فعّال دون الاستثمار في العنصر البشري، إذ يمثل نقص الكفاءات التقنية أحد أبرز التحديات التي تواجه القطاع السيبراني، ومن هذا المنطلق، تحرص الجامعات الأردنية على توفير برامج أكاديمية متخصصة في الأمن السيبراني، تشمل مجالات تحليل البرمجيات الخبيثة، والاختراق الأخلاقي، وإدارة الحوادث السيبرانية، كما أن إدراج الأمن السيبراني ضمن المناهج الدراسية على مستوى التعليم المدرسي يمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى إعداد جيل يمتلك الحد الأدنى من المهارات الدفاعية في الفضاء السيبراني، إلا أن التحدي الأبرز يتمثل في مدى القدرة على استقطاب المواهب المحلية وتوفير بيئة عمل جاذبة تمنع هجرة العقول إلى الأسواق الخارجية الأكثر تنافسية.

ونوّه إلى أنه لا يمكن إغفال تصاعد الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، سواء من قبل جهات فاعلة غير حكومية أو من خلال عمليات سيبرانية ترعاها دول، ويتطلب تقييم مدى جاهزية الدولة لمواجهة هذه التهديدات تحليل مؤشرات الأداء السيبراني، التي تشمل متوسط زمن الاستجابة للحوادث، ونسبة الهجمات التي تم التصدي لها بنجاح، ومدى الامتثال للمعايير الدولية في هذا المجال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصنيف الأردن في مؤشر الأمن السيبراني العالمي يمثل مؤشرًا هامًا لقياس مستوى النضج السيبراني، إذ إن الترتيب الدولي يعكس مدى فاعلية التدابير المتبعة في مجابهة التهديدات الرقمية.

وأشار البطش إلى أن تقييم البنية التحتية للأمن السيبراني في الأردن يستلزم نهجًا تكامليًا يجمع بين تحديث التشريعات، وتعزيز القدرات التقنية، وتكثيف التعاون الدولي، والاستثمار في التعليم والتدريب، إلى جانب تبني آليات قياس دقيقة تتيح تحديد مكامن القوة ونقاط الضعف في المنظومة الأمنية، مستطردًا أن هناك جهودًا تبذل في هذا الصدد، إلا أن تطور طبيعة الهجمات السيبرانية يفرض الحاجة إلى استثمارات مستدامة في مجال الأمن السيبراني، حيث أن الفضاء الرقمي يشهد تطورات متسارعة تجعل من الضروري تبني سياسات ديناميكية قادرة على التكيف مع التهديدات المستقبلية، وبالتالي، فإن ضمان الأمن السيبراني لا يعد خيارًا بل ضرورة حتمية تتطلب نهجًا استباقيًا يعزز مناعة الدولة ضد المخاطر الرقمية المتزايدة.