المطلوب من قمة الرياض قبل فوات الأوان

 

قال الكاتب الصحفي سامح المحاريق إن المطلوب من القمة العربية في هذه اللحظة الفارقة، التي تتشابك فيها معطيات الإقليم مع إرادات القوى الدولية، يتجاوز الاكتفاء بإصدار بيانات تقليدية، أو الاكتفاء بمواقف دبلوماسية ضبابية، ليصل إلى مستوى صياغة استراتيجية عربية شاملة، تستند إلى مقاربة واقعية وبراغماتية، قوامها توازن المصالح، وردع الابتزاز السياسي، وتقييد الإصرار الأمريكي - الصهيوني على فرض أجندات التهجير القسري، التي تستهدف اجتثاث الوجود الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة.

نهاية عهد التنازلات المجانية

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المنطلق الأساس لهذه القمة ينبغي أن يتمحور حول إعداد خارطة طريق عربية محكمة، تتسم بالوضوح والمرونة التكتيكية، تُحدد ملامح التزامات المنظومة العربية، ليس بوصفها تنازلات مجانية، وإنما في إطار معادلة تبادلية دقيقة، بحيث لا يُقدّم أي شيء دون مقابل ملموس، فإذا كانت الولايات المتحدة تُبدي حرصًا على تأمين ممرات تجارية استراتيجية، تمر عبر الكيان الصهيوني، فينبغي أن يكون الثمن تنازلات إسرائيلية جوهرية، تتجاوز سقف التسهيلات الشكلية، لتصل إلى مستوى الاعتراف بالحقوق السيادية للشعب الفلسطيني، ووقف الاستيطان، وإعادة الأراضي المحتلة.


وأشار إلى أن دولة الاحتلال مطالبة - بحكم كونها الطرف المستفيد الأكبر من مشاريع الربط الإقليمي - بتحمل الكلفة السياسية والاقتصادية، بما يُفضي إلى تهيئة مناخ إقليمي، يفتح الطريق أمام السعودية، والإمارات، والأردن وغيرها للانخراط في هذه المشاريع، ولكن في إطار يضمن أن تكون تلك الشراكات الاقتصادية جزءًا من حل سياسي شامل، لا مجرد غطاء لتطبيع مجاني.

خارطة طريق تفاوضية

وإزاء ذلك، قال المحاريق إنه يتحتم على العرب إعادة تموضعهم التفاوضي، عبر تفعيل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي، وإدارة أوراقهم الاستراتيجية بقدر عالٍ من الكفاءة والحنكة، فماذا سنُقدم؟... وماذا سنُحقق بالمقابل؟، مشيرًا إلى أن زمن الصيغ الفضفاضة، والمطالبات العبثية، انتهى، ولم يعد مقبولًا أن تتحول الاتفاقيات، كما حدث في تجارب السلام السابقة، إلى مجرد التزامات عربية فورية، تقابلها وعود إسرائيلية زئبقية، تتلاشى عبر متاهات التسويف والتأجيل، في دورة تفاوضية عبثية، تبدأ بالتطبيع، وتنتهي بتآكل الحقوق العربية.

ونوّه إلى أن الأوان قد آن لتأسيس نهج تفاوضي جديد، قوامه التزامن والندية، ذلك أن كل تنازل يقابله مكسب فوري، فلا يجوز أن تُمنح إسرائيل اعترافًا سياسيًا واقتصاديًا، بينما تظل الحقوق الفلسطينية رهينة الأفق المفتوح، وقد أثبتت اتفاقية كامب ديفيد أن الوعود الشفهية، مهما اكتست بعبارات دبلوماسية براقة، ليست إلا سرابًا يُبدده تعنت الاحتلال.

وهم الاختراق الإسرائيلي للجغرافيا السياسية العربية
وأشار المحاريق إلى أن المطلوب اليوم هو مبادرة عربية استباقية، تُرسي معادلة واضحة، فإذا التزمت إسرائيل بوقف التوسع الاستيطاني، ورفعت الحصار عن غزة، ووافقت على العودة إلى حدود الرابع من حزيران، فإن الدول العربية ستتجاوب بخطوات موازية، أما إذا أصرت على سياسة الهروب إلى الأمام، فالخيار البديل هو المضي في مراجعة شاملة لملف التطبيع، بما في ذلك تجميد الاتفاقيات القائمة، وصولًا إلى فرض عزلة دبلوماسية واقتصادية على إسرائيل.

هذه المقاربة لا تعني إعلان الحرب، لكنها تُعيد ضبط التوازن الاستراتيجي، إذ إن إسرائيل، التي اعتقدت أن اتفاقيات أبراهام فتحت أمامها أبواب العواصم العربية، وسوّغت لها الالتفاف على القضية الفلسطينية، يجب أن تواجه بحقيقة أن فلسطين ستظل بوصلة العرب، وأن التفكيك الممنهج للجبهة العربية لن يمر، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

فرضية البدائل بعيدًا عن البوابة الإسرائيلية

ولفت المحاريق الانتباه إلى أن المسؤولية التاريخية - وفي ضوء انعقاد قمة الرياض - تقتضي بلورة رؤية عربية بديلة، لمواجهة مخطط التهجير القسري، الذي يُعاد إنتاجه بغطاء أمريكي، تحت لافتة مشاريع إعادة الإعمار، والتطوير الاقتصادي، التي تهدف في جوهرها إلى إعادة هندسة الخريطة الديمغرافية في قطاع غزة.

وذكر أن أي حديث عن السلام الحقيقي يجب أن ينطلق من إحياء مبادرة السلام العربية، التي تبنتها السعودية عام 2002، بوصفها الإطار الوحيد القادر على تحقيق تسوية عادلة، تستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، وما عدا ذلك، فإن أي مقاربة أخرى ستكون مجرد إضفاء شرعية على الاحتلال، وشرعنة لسياسات التهجير.

وأوضح المحاريق أن على القمة أن تبعث برسالة سياسية صارمة مفادها أنه لا اندماج لإسرائيل في المنطقة، ولا شراكات اقتصادية، قبل الانصياع لأسس السلام العادل، أما محاولة فرض إسرائيل معبرًا إجباريًا لمشاريع الربط الإقليمي، فيجب أن تواجه بتلويح العرب ببدائل استراتيجية، فالممرات التجارية ليست قدرًا محتومًا، وهناك مسارات بديلة، جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، يمكن أن تُوظف لصياغة شراكات إقليمية جديدة.

فضح أسطورة التفوق الإسرائيلي

وتابع قائلًا إن ما ينبغي هو فضح أسطورة "التفوق التكنولوجي الإسرائيلي"، التي يجري تسويقها بوصفها المدخل لدمج رأس المال العربي واليد العاملة العربية تحت عباءة إسرائيل، فالحقيقة أن العالم العربي يمتلك من الإمكانات البشرية والاقتصادية ما يؤهله لقيادة مشروع نهضوي مستقل، إذا ما توافرت الإرادة السياسية، وتحقق التنسيق العربي-الإقليمي.

بين استعادة المبادرة أو الارتهان للأمر الواقع

وأشار المحاريق إلى أن فإن تفعيل العمل العربي المشترك، والانفتاح على التحالفات الإقليمية، من شأنه أن يضع حدًا لمحاولات فرض الهيمنة الإسرائيلية، فقد أثبتت التجارب أن الرهان على الثقة العمياء بالوسيط الأمريكي يقود دائمًا إلى انتكاسات، لأن واشنطن، في نهاية المطاف، تنحاز استراتيجيًا إلى إسرائيل.

واختتم المحاريق حديثه متسائلًا ما إذا استعاد العرب زمام المبادرة، وأسسوا لشراكات تحفظ مصالحهم، أو أن يتحولوا إلى أدوات هامشية، تُستخدم لتكريس الأمر الواقع الإسرائيلي.