العرب يكتب: عبدالله الثاني حارس البوابة الأخيرة

  د. محمد العرب

في زمن التحديات الكبرى والانهيارات السياسية المتسارعة، يقف الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، كجبل لا تهزه العواصف ولا تنال منه مؤامرات الأعداء ، إنه حائط الصد الأول، يقف بين الأمة وأمواج المشاريع المعادية التي تحاول تفتيت ما تبقى من الكرامة العربية ، حين انحنى كثيرون للعاصفة، ظل عبدالله الثاني واقفاً ، لا يهادن ولا يساوم، مدافعاً عن القضايا العربية، واضعا مصلحة أمته وشعبه فوق كل اعتبار.

لم يكن ملك الأردن يوماً من أولئك الذين تستهويهم الخطب الرنانة أو المزايدات السياسية، بل كان دائماً رجل المواقف الصلبة والعمل الصامت ، في عصر انهارت فيه جدران كثيرة، ظل عبدالله الثاني صخرة تتكسر عليها أمواج المؤامرات ، مدافعاً شرساً عن فلسطين، عن القدس، عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، رافضاً كل الصفقات المشبوهة التي حاولت فرض واقع جديد على المنطقة.

ليس غريباً أن يتحول إلى هدف لمن يخططون لإعادة تشكيل الخريطة العربية. إنه الزعيم الذي يعرف كيف يُفشل المخططات في صمت، يقلب الطاولات دون أن يثير جلبة، ويعيد رسم موازين القوى بحكمة وحنكة نادرة. بالنسبة له، السيادة ليست شعاراً، بل ممارسة يومية، والدفاع عن حقوق الأمة واجب لا يمكن التخلي عنه، مهما كان الثمن.

حين تلاعبت قوى كثيرة بمصير الشعوب العربية، ظل عبدالله الثاني على نهج والده المغفور له الملك الحسين صادقاً مع نفسه ومع شعبه. لم يبع المبادئ مقابل مكاسب مؤقتة، ولم يرضَ أن يكون الأردن مجرد ورقة في لعبة الكبار. حمى بلاده من السقوط في فخ الفوضى، وصنع منها واحة استقرار في قلب عاصفة الشرق الأوسط. في عالم يشتري فيه كثيرون الأمن بثمن الكرامة، كان عبدالله الثاني استثناءً نادراً ، رجل دولة من طراز رفيع يعرف أن الكرامة لا تباع ولا تشترى.

ولأن الحاكم الحقيقي يظهر في وقت الشدائد، فقد أثبت ملك الأردن مراراً وتكراراً أنه ليس زعيماً يُستدعى عند الاحتفالات، بل قائد يتحمل العبء في أحلك الظروف. في أوقات الأزمات الاقتصادية، كان قريباً من شعبه، يتفقدهم بنفسه، يستمع إليهم بلا وسيط، ويبحث عن حلول لا عن مبررات. وفي السياسة الخارجية، كان صوته عالياً في وجه كل من حاول فرض تسويات على حساب القضية الفلسطينية أو تقويض مكانة القدس. لم يترك مجالاً للشك: القدس خط أحمر، وفلسطين ليست للبيع، ولا مكان للتخاذل حين يتعلق الأمر بمصير الأمة.

الأعداء يعرفون ذلك جيداً ، لذلك لا يتوقفون عن استهدافه. إنهم لا يستهدفون شخصه فحسب، بل ما يمثله من قوة معنوية وموقف عربي أصيل. يحاولون محاصرته بالضغوط السياسية والاقتصادية، لكنه يتقن فن المقاومة الهادئة. يعرف متى يصمت ومتى يتكلم، متى يهادن ومتى يضرب بيد من حديد.

في وقت انشغل فيه بعض القادة بتأمين مستقبلهم الشخصي، انشغل عبدالله الثاني بمستقبل الأمة العربية. حمل قضية اللاجئين السوريين على عاتقه، في وقت أغلقت فيه أبواب كثيرة في وجوههم. استقبلهم في بلاده، وفتح لهم الأمان في زمن شح فيه الأمان.

هذا ليس خطاب مديح، بل شهادة حق في زمن أصبح قول الحقيقة نادراً ، ما يفعله الملك عبدالله الثاني لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه. هو نموذج للقائد الذي يفهم أن القوة الحقيقية لا تأتي من الجيوش الجرارة ولا من الخطب الطنانة، بل من الصدق في الموقف، والثبات في المبادئ، والإخلاص لشعبه وأمته.

إذا كانت الأمة العربية بحاجة إلى حائط صد يحميها من مشاريع التفتيت، فإن عبدالله الثاني هو هذا الحائط. ليس حاكماً يبحث عن الأضواء، بل قائد يعمل في صمت، يبني تحالفات ويضع الاستراتيجيات التي تحفظ للأردن دوره المحوري في المنطقة.

في النهاية، سيبقى عبدالله الثاني رمزاً للعروبة الصادقة، صوتاً عربياً أصيلاً ، في زمن تلاشت فيه الأصوات الحقيقية. سيبقى حائط الأمة وقت الملمات، صلباً في مواجهة الرياح، لأنه يعرف أن القائد الحقيقي لا ينحني للعواصف، بل يصنع التاريخ رغم كل التحديات.