العياصرة يحذر عبر "أخبار الأردن" من القادم... أولويات للتمسك بها وأدوار لا تقبل التردد
قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن المشهد الدولي الراهن يُلقي بظلاله الثقيلة على الساحة الأردنية، في وقتٍ تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى مع خطوط التماس الإقليمية، إذ لا يخفى على أحد أن متطلبات هذه المرحلة المفصلية تتجاوز كونها تحديات عابرة، لتغدو اختبارات حقيقية لمدى صلابة الموقف الأردني وقدرته على المناورة في ظل ظروف إقليمية ودولية مضطربة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه بدا واضحًا منذ تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب زمام السلطة، أن فترته الرئاسية ستشهد تغييرات جذرية، في السياسة الخارجية الأمريكية، وفي بنية النظام الدولي بأسره على حدٍ سواء، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على الأردن، وعلى الإقليم العربي والقضية الفلسطينية، وصولًا إلى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا وحلف شمال الأطلسي.
ونوّه العياصرة إلى أن أولويات الاستراتيجية الوطنية تتمثل في تعزيز التماسك الوطني وترسيخ وحدة الصف الداخلي، ففي ظل التحديات الراهنة، يُصبح استثمار الإجماع الوطني ضرورة ملحة، إذ يتعين على مكونات المجتمع الأردني، بمختلف أطيافها وتوجهاتها السياسية كافة، أن تتوحد خلف موقف رافض قاطع لمحاولات التهجير ومشاريع الوطن البديل، بيد أن هذا الإجماع اللفظي يحتاج إلى ترجمة عملية من خلال بلورة جبهة داخلية متماسكة، تُعبّر عن دعمها للموقف الرسمي، وتحديدًا لمواقف جلالة الملك.
واستطرد قائلًا إن هذا يتطلب من الحكومة القيام بدورها التنفيذي على أكمل وجه من خلال إطلاق برنامج وطني شامل يعزز الحريات العامة، ويضمن الإفراج الفوري عن السجناء المعتقلين على خلفيات سياسية أو تعبيرية، مع مراجعة وتعديل قانون الجرائم الإلكترونية بما يكفل حرية الرأي والتعبير دون المساس بأمن الدولة.
وأشار العياصرة إلى أولويةٍ أخرى هي إعداد خطط اقتصادية بديلة لمواجهة الضغوط الخارجية، ففي ضوء احتمالية توجه إدارة ترمب نحو تقليص أو وقف المساعدات الأمريكية، يتوجب على الحكومة الأردنية إعداد ملحق موازنة خاص للتعامل مع هذا السيناريو، مع ما يجب أن تتضمنه هذه الخطط من بدائل اقتصادية تحصّن الاقتصاد الوطني من تأثيرات أي ابتزاز سياسي، مع التركيز على تعزيز القطاعات الإنتاجية، وتحفيز الاستثمار المحلي والخارجي، بما يضمن استدامة الموارد المالية للدولة.
وهناك أيضًا استعادة الثقة بين الشعب والمؤسسات الدستورية، ذلك أن الفجوة القائمة بين الجانب الرسمي والشعبي تُعد من أكبر التحديات التي تواجه الدولة الأردنية في هذه المرحلة، وعليه، فإن استرداد الثقة يتطلب مراجعة شاملة للسياسات العامة، وتفعيل دور المؤسسات الدستورية، سواء الحكومة أو مجلس النواب أو الأحزاب السياسية، حيث يجب أن تترجم هذه المراجعات إلى خطوات ملموسة تعزز من مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وتُعيد الاعتبار لدور الأحزاب كركيزة أساسية في النظام الديمقراطي.
فيما تذهب الأولوية الرابعة إلى صياغة رواية رسمية متماسكة وشفافة، فقد لوحظ مؤخرًا غياب الرواية الحكومية في أكثر المراحل حساسية، وهو أمر لا يمكن تبريره أو التساهل معه، إذ يجب أن تكون الرواية الرسمية حاضرة بقوة في مواجهة التحديات، من خلال خطاب شفاف وواضح يضع المواطنين في صورة التطورات أولًا بأول.
السلطة التشريعية: من الخطابة إلى الفعل السياسي المؤثر
ونوّه العياصرة إلى أن دور مجلس النواب لا يقتصر على إصدار البيانات والخطابات، إذ يجب أن يتحول إلى منصة لإرسال رسائل سياسية واضحة تعبر عن سيادة الدولة الأردنية، وهناك عدة ملفات حساسة تتطلب موقفًا حاسمًا من المجلس هي:
• اتفاقيات القواعد العسكرية مع الولايات المتحدة: لم تُعرض هذه الاتفاقيات على مجلس النواب، رغم ما تحمله من تبعات سيادية، إذ يجب فتح هذا الملف ومراجعته بعناية.
• الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي: يجب إعادة النظر في كافة الاتفاقيات، وعلى رأسها اتفاقية وادي عربة، خاصة في ظل خرق الجانب الإسرائيلي لبنودها.
• تشريعات تجرّم التهجير القسري: يجب دعم المقترحات التشريعية، مثل تلك المقدمة من حزب جبهة العمل الإسلامي، التي تدعو لتجريم تهجير الفلسطينيين ومنع الأردن من التورط في هذه المؤامرات.
الدبلوماسية البرلمانية: تفعيل القنوات الخارجية لدعم الموقف الأردني
وشدد العياصرة على ضرورة اضطلاع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بدورها في إيصال رسائل دبلوماسية قوية تدعم موقف الدولة الأردنية، إذ يجب أن تُوجّه هذه الرسائل إلى البعثات الدبلوماسية والسفارات الأجنبية، بما يعزز من تماسك الموقف الرسمي، ويخلق جبهة خارجية داعمة للسياسة الأردنية.
تفعيل دور الفعاليات الشعبية والنخب الفكرية والإعلامية
ولفت العياصرة الانتباه إلى أن التعبير الشعبي عن رفض السياسات الخارجية التي تستهدف الأردن ليس كافيًا إذا اقتصر على المظاهرات والخطابات، داعيًا إلى ابتكار وسائل جديدة للتعبير، تشمل:
• المنتديات الثقافية والسياسية: تنظيم حلقات نقاش وندوات توعوية تشرح خطورة المرحلة.
• تفعيل دور الدواوين والعشائر: باعتبارها مؤسسات اجتماعية ذات تأثير واسع.
• تحريك النخب الفكرية والسياسية: للمساهمة في صياغة خطاب وطني موحد.
• الإعلام الوطني: يجب أن يتحول إلى أداة فعالة في مواجهة الحملات الإعلامية الخارجية التي تستهدف تشويه صورة الأردن.
السيناريوهات المستقبلية وكيفية التعامل معها
في ظل الاحتمالات المتعددة، بما في ذلك تصاعد الأوضاع نحو حرب جديدة أو استمرار صفقات تبادل الأسرى، يجب على الأردن أن يكون مستعدًا لأسوأ السيناريوهات، ذلك أن التعامل مع المرحلة يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا يأخذ في الاعتبار الاحتمالات كافة، مع التركيز على بناء قدرة الدولة على الصمود في وجه أي تطورات غير متوقعة.
وأكد العياصرة ما تفرضه المرحلة الراهنة على الأردن من مسؤوليات تتطلب أن يتحول إلى خلية عمل وطنية متكاملة، يقودها الجانب الرسمي في رسم خارطة طريق واضحة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية.