ابو خليل يكتب: هل كنا ننتظر نشوب طوشة بالأيدي أمام البيت الأبيض؟
احمد ابو خليل
(قبل مواصلة الكلام، أشير إلى أن ملاحظاتي التالية تنتمي إلى السياسة من أسفل. فليست لدي معرفة ما يدور في مستوى أصحاب القرار محليا أو دوليا، أي ما يتصل بالسياسة العليا. نحن نمارس نوعا من المشاعر والانفعالات، وقد نسمي ذلك عملا سياسيا، ولا اعتراض على التسمية، ذلك أن المشاعر والانفعالات مهمة في صناعة الأحداث وصناعة التاريخ، لا سيما أن جزءا من جهد أعداء الشعوب ينصب على التأثير على تلك المشاعر والانفعالات).
منذ ساعتين وبعد ورود أو المشاهد من واشنطن، بدا وكأن هناك من يريد فتح "مَلْطَمة" باعتبار أن مسار الأمور تحدد وانتهى.
لنفترض جدلا وفي أسوأ الأحوال أن لدينا حكم مفرط بالمصالح الوطنية والقومية؟ إن هذا لو حصل، فإنه لا يتطلب اللطم بقدر ما يتطلب المزيد من الاستعداد شعبيا.
ولكن ببساطة، ليس لدينا في الأردن حكم مفرّط. إنه لم يكن كذلك في السابق وهو ليس كذلك اليوم. أقصد لم يحصل أن الحكم كان يعقد صفقات خاصة بالضد من المصلحة الوطنية. المؤسف أننا لا زلنا أسرى تصنيف لمستوى وطنية او قومية المواقف أعد في ظروف مضت، ولم تعد قائمة او مفيدة اليوم، وقد اعتمد ذلك التصنيف بالدرجة الأولى على نوع الخطاب المعلن. بينما تبين أن الوقائع كانت تسير باتجاهات مختلفة. بمعنى ليس كل من رفع صوته عاليا ضد العدو كان فعلا كذلك.
واليوم في تقديري مثلا، انه في مجال العلاقة مع العدو (اسرائيل)، لم تكن علاقة الحكم معها علاقة صداقة، لا قبل توقيع الاتفاقية ولا بعدها. في الجوهر ظل العدو يعتبر الحكم (وليس فقط البلد والشعب)، خصما وعائقا.
أعرف بالطبع أن هذه ليست وجهة نظر معارض جذري ملتزم منظم يمينا أو يسارا، إسلاميا أو علمانيا. وأنا بالفعل لست كذلك. فأنا اليوم في مجال الموقف الوطني والقومي، أعتبر نفسي ابن مدرسة الثقافة السياسية الأردنية التي أسس لها الراحلون: علي خلقي الشرايري وحسين الطروانة وواصلها وصفي التل ويعقوب زيادين وعبدالرحمن شقير وشاهر أبو شحوت وصولا إلى ناهض حتر. إنها المدرسة التي ظلت تنظر للبلد في الجوهر كمشروع يقع بالضد من المشروع الصهيوني.
موقف أي حكم، يعكس حجم البلد وقوته وعلاقاته... إلخ. ويصنف الأردن عموما في سياق الدول التي تلعب دورا يفوق حجمها. أحيانا يكون ذلك خيارا وأحيانا يجد البلد نفسه في وضع كهذا. المهم انه لا الحكم ولا الشعب اختارا يوما الهروب من أقدارهم.
أمتنا العربية ودولنا العربية في حالة تراجع منذ عقود، ولكن بلدنا وشعبنا ليسوا في مقدمة المتراجعين. وداخليا توجد نسبيا درجة تماسك شعبي معقولة. وخلال العام والنصف، أي فترة المواجهة الكبرى في غزة، كنا في الموقع الأسلم شعبيا ورسميا.
أرى أن الحكم، عبر المواقف التي أعلنها أو سمح للمستوى الشعبي بإعلانها، أو دفع باتجاه إعلانها شعبيا، كما حصل في الأيام الأخيرة، فإنه أراد أن يقدم ما يشبه التعهد والوعد.
لننظر حولنا، ونراقب كل المشهد في المنطقة والعالم، من المهم أن نبقي على احترامنا وانحنائنا أمام تضحيات غزة، ولا نستجيب لدعوات إلقاء المسؤولية عليها. ثم لنمارس مشاعرنا بواقعية، ونساعد أنفسنا وبلدنا والحكم في بلدنا على المزيد من التماسك.