ربطة عنق ترمب الزرقاء حملت رسائل للأردن ومصر

قال الخبير العسكري محمد المغاربة إن قراءة المشهد السياسي الراهن لا يمكن أن تقتصر على التصريحات العلنية أو الإجراءات الدبلوماسية التقليدية، فهي تتطلب استقراءً معمقًا للرموز والإشارات التي تُوظَّف بذكاء ضمن سياق استراتيجي متشابك، يتداخل فيه البُعد الدلالي مع المسارات الفعلية لصناعة القرار.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ربطة العنق الزرقاء التي ارتداها الرئيس الأمريكي ترمب خلال استقباله جلالة الملك عبد الله الثاني، لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد اختيار اعتباطي للباس، وإنما رسالة سياسية تعكس تداخلًا مدروسًا بين العقيدة السياسية الصهيونية والنزعة التوسعية الأميركية، في إطار إعادة هندسة الخرائط الجيوسياسية في المنطقة.

وبيّن المغاربة أن ربكة العنق الزرقاء، سبق أن ظهرت في سياقات مشابهة عند استقباله لنتنياهو، فهي امتداد لرمزية الأزرق في العقلية الصهيونية، حيث يرتبط هذا اللون بالعقيدة القومية لإسرائيل، ويتماهى مع تصوراتها التوراتية لأرض الميعاد، وعند تفكيك هذه الرمزية وربطها بالتحولات الراهنة، يتضح أن هذا الاختيار يعد إيحاءً بانحيازٍ دبلوماسي، إلى جانب استدعاءٍ صريح للرؤية التوراتية التي ترسم حدود إسرائيل الكبرى، والتي لطالما كانت سيناء إحدى مفرداتها المركزية.

إن النظر إلى سيناء، من منظور الجغرافيا السياسية، يكشف عن كونها نقطة ارتكاز استراتيجية في معادلات الهيمنة الإقليمية أكثر من كونها مجرد امتداد ترابي لمصر، فهي تشكل حلقة وصل بحرية بين البحرين الأحمر والمتوسط، ما يمنحها موقعًا فريدًا على خارطة التجارة والطاقة الدولية، فضلًا عن كونها خط الدفاع الجنوبي لإسرائيل، ومجالًا حيويًا لمشاريع التوسع الجيوسياسي التي تحظى بدعم أميركي ضمن رؤية ترامب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن الحديث عن إعادة توجيه قطاع غزة ديموغرافيًا، أو تفريغ الكتلة السكانية الفلسطينية باتجاه سيناء، خطوة تأسيسية في مشروع هندسة إقليمية جديدة، تستهدف إعادة ضبط التوازنات السكانية والجغرافية بما يخدم المصالح الإسرائيلية طويلة المدى، وفقًا لما صرّح لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر المغاربة أن قناة السويس تبرز عاملًا إضافيًا في هذه المعادلة، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية التي تتجاوز كونها مجرد ممر ملاحي عالمي، إلى كونها ورقة ضغط جيوسياسية تستطيع مصر استخدامها في مواجهة أي مخططات تهدد أمنها القومي، فالقناة خط تماس مباشر بين مراكز القوى الإقليمية والدولية، ما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من أي ترتيبات مستقبلية تسعى لإعادة تشكيل خارطة النفوذ في المنطقة.

وعليه، فإن موقف مصر الدفاعي تجاه هذه المخططات، يعد نابعًا من إدراك عميق لحجم التهديدات التي قد تترتب على أي تغيير في المعادلة الجيوسياسية لسيناء، إذ إن أي قبول ضمني لتحويل سيناء إلى فضاء لاستيعاب الفائض الديموغرافي الفلسطيني، يعني ضمنيًا إعادة إنتاج النكبة الفلسطينية بنسخة أكثر تعقيدًا، حيث يتحول الوجود الفلسطيني في سيناء إلى حالة مؤقتة قابلة للتمدد وفق الحاجة الإسرائيلية، بما يكرّس سيناريو التهجير القسري كأداة لإعادة رسم الخارطة السكانية في المنطقة.

أما على المستوى الأردني، فالوضع أكثر تعقيدًا، إذ إن التصور الإسرائيلي - الأميركي للضفة الغربية يستند إلى رؤية مفادها أن الأردن هو الامتداد الطبيعي للكيان الفلسطيني، وهو ما يفسر سعي إسرائيل إلى تقليص الوجود الفلسطيني داخل الضفة، وخلق بيئة سياسية واقتصادية تدفع الفلسطينيين نحو الهجرة التدريجية باتجاه الضفة الشرقية لنهر الأردن، وفي هذا السياق، فإن أي محاولة من قبل ترمب لجعل عمان تنخرط بهذا النوع من الطروحات، ولو عبر ترتيبات اقتصادية خادعة، سيؤدي إلى إعادة صياغة الهوية الديموغرافية للأردن على المدى البعيد، بما يجعلها شريكًا غير مباشر في تصفية القضية الفلسطينية.

إن ربط هذه العناصر ببعضها البعض، يكشف عن استراتيجية أميركية -إسرائيلية تستهدف إعادة رسم المنطقة ضمن هندسة جديدة، يكون فيها التفوق الإسرائيلي هو النواة المركزية، بينما يتم إعادة تشكيل التوازنات الجغرافية والسكانية وفق رؤية تحقق الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى للدولة العبرية، وفي ظل هذه المعادلة، يصبح اللون الأزرق الذي ارتداه ترامب في لقائه بالملك، رسالة سياسية ذات دلالات عميقة، تعكس تماهيًا واضحًا بين الأجندة الأميركية والرؤية الإسرائيلية، ضمن مشروع يستهدف إعادة صياغة المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية على المدى البعيد.

ونوّه المغاربة إلى أن موقف مصر والأردن في مواجهة هذه التحولات ينبغي أن يتبنى استراتيجيات استباقية، تضمن تحصين المجال الحيوي لكل منهما ضد أي ترتيبات قد تؤدي إلى إعادة هندسة الخريطة الجيوسياسية لصالح إسرائيل، فالمعركة اليوم أصبحت صراعًا وجوديًا، يُستخدم فيه كل شيء، بدءًا من الرموز البصرية، وصولًا إلى التحولات الديموغرافية والجيوبوليتيكية، في إطار سباق محموم نحو إعادة تشكيل معالم الشرق الأوسط وفق رؤية تضع إسرائيل في موقع الهيمنة المطلقة.


وذكر أن الوضع الداخلي في مصر يمثل معضلة استراتيجية معقدة، تتجاوز كونها أزمة سياسية أو اقتصادية، لتتحول إلى عنصر فاعل في كبح جماح السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، إذ يبدو أن لدى النخبة السياسية والعسكرية المصرية قناعة راسخة بأن النظام القائم يواجه تحديات بنيوية قد تؤدي إلى تكرار سيناريوهات تاريخية، كتلك التي أعقبت انقلاب جمال عبد الناصر، واغتيال أنور السادات، والتقلبات التي شهدتها مصر خلال العقود الماضية، فالتكوين الداخلي لمصر، سواء من حيث طبيعة المؤسسة العسكرية، أو الأجهزة الأمنية، أو النسيج الاجتماعي، أو الامتداد الجغرافي، أو الكثافة السكانية، أو تعدد مراكز القوة داخل المنظومة السياسية، يجعلها بيئة قابلة للاضطراب، وهو ما يفسر الحذر الشديد الذي يبديه النظام المصري تجاه أي متغيرات إقليمية قد تهدد استقراره.

في المقابل، يختلف المشهد في الأردن، الذي وإن كان معنيًا بالتحولات الإقليمية، فإنه لا يواجه ذات التهديدات الوجودية التي تواجهها مصر، فالحدود الأردنية، رغم حساسيتها الاستراتيجية، لا تشكل بُعدًا مباشرًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي لطالما استندت إلى التضاريس الطبيعية – من جبال ووديان وأنهار – كعوامل دفاعية، إلا أن التطور التقني في مجالات الصواريخ والطائرات المسيّرة قد أفقد هذه العقيدة الكثير من فعاليتها، مما يجعل مسألة الحدود الطبيعية أقل أهمية مما كانت عليه في العقود الماضية، وفقًا لما صرّح به المغاربة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.