الحوارات يتحدث لـ"أخبار الأردن" عن الرسائل التي أظهرها لقاء الملك بترمب
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر حوارات إن ما انتهجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تعامله مع القضية الفلسطينية لم يكن مجرد تطبيق لسياسة "الضغط الأقصى" بهدف تحقيق مكاسب تفاوضية مرحلية، بقدر ما كان يعكس رؤية استراتيجية أوسع نطاقًا، تتجاوز مجرد الضغط إلى إعادة هندسة المشهد السياسي والجغرافي في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بمصير قطاع غزة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا التوجه، الذي جاء متسمًا باندفاع غير محسوب، افتقر إلى الحد الأدنى من الدبلوماسية واحترام المعايير الدولية والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ما استدعى ردود فعل حازمة ومدروسة من الأطراف الإقليمية المعنية، وعلى رأسها الأردن.
في هذا السياق، تجلت حكمة جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي تعامل مع هذا التحول السياسي بأسلوب يجمع بين الواقعية السياسية والمرونة الاستراتيجية، متجنبًا ردود الفعل الانفعالية، ومؤكدًا ضرورة تحصين الموقف العربي عبر تبني طرح متكامل يُقابل المبادرات الأمريكية بمبادرات عربية ذات عمق استراتيجي وتأثير سياسي ملموس، وفقًا لما صرّح به الحوارات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وبيّن أن هذا الموقف جاء متسقًا مع رؤية أوسع عبّر عنها الأردن في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، تقوم على ضرورة الحفاظ على الثوابت الوطنية وعدم السماح لأي ضغوط خارجية بإعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية على حساب الحقوق الفلسطينية أو المصالح الأردنية.
وفيما يخص مسألة استيعاب اللاجئين الفلسطينيين جزءًا من المخططات الأمريكية لإعادة ترتيب المنطقة، فقد كان الموقف الأردني واضحًا لا يقبل التأويل أو اللبس، حيث رفض الأردن بشكل قاطع أي محاولة لتوطين الفلسطينيين أو استيعاب موجات جديدة من التهجير، معتبرًا أن مثل هذه الحلول لا تشكل سوى التفافًا خطيرًا على جوهر القضية الفلسطينية، وتسهم في تصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
ومع ذلك، فقد أبدى الأردن استعدادًا مشروطًا لاستقبال بعض الحالات الإنسانية الطارئة، مثل الأطفال المصابين والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، وهو ما يعكس التزامه بمسؤوليته الأخلاقية والإنسانية دون المساس بثوابته الوطنية.
أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، قال الحوارات إن ترمب بدا واضحًا أنه لم يكن منصتًا لأي صوت خارج الدائرة الضيقة لمستشاريه من الموالين لإسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو وشخصيات نافذة في البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية، ورغم الجهود الحثيثة التي بذلها الأردن لإيصال رؤيته إلى صناع القرار في واشنطن، سواء عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية أو من خلال التواصل المباشر مع مراكز الأبحاث وصياغة الرأي العام الأمريكي (Think Tanks)، فإن الواقع يشير إلى أن تأثير هذه الجهود، وإن لم يكن آنيًا، فإنه قد يكون حاسمًا على المدى البعيد، لا سيما مع تزايد إدراك الأوساط السياسية الأمريكية لأهمية استقرار الأردن ودوره المحوري في حفظ التوازن الإقليمي.
وفيما يخص الضفة الغربية، لفت الحوارات الانتباه إلى أن تصريحات ترامب ظلت تتسم بالغموض والتناقض، حيث لم يقدّم تصورًا واضحًا لحل الصراع، بل ترك المجال مفتوحًا أمام التأويلات المختلفة، ما أثار مخاوف مشروعة بشأن النوايا الحقيقية وراء سياساته، وهذا الغموض المقصود ربما كان جزءًا من استراتيجية تفاوضية تهدف إلى فرض حلول غير معلنة تدريجيًا، إلا أن الأردن، بوعيه السياسي العميق، أدرك خطورة هذه المقاربة وتعامل معها بحذر بالغ، مؤكدًا في جميع المحافل أن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عادلًا وشاملًا، قائمًا على القرارات الدولية، وليس مجرد إعادة إنتاج لسيناريوهات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإعادة ترتيب المنطقة وفق أجندات خارجية.
وذكر أن المتابع للموقف الأردني في هذه المرحلة الحساسة يلحظ بوضوح أن السياسة الأردنية نجحت في التوازن بين رفض الإملاءات الخارجية وبين الحفاظ على قنوات التواصل مع الفاعلين الدوليين، وذلك عبر مقاربة تجمع بين الصلابة في المواقف السيادية والمرونة في آليات التواصل السياسي، ولا شك أن هذه الاستراتيجية طويلة الأمد قد أثمرت في تعزيز مكانة الأردن كدولة مركزية في معادلات الاستقرار الإقليمي، وجعلت صوته مسموعًا في الأوساط السياسية الدولية، بما يحفظ مصالحه الوطنية ويؤكد التزامه الثابت بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية ضمن رؤية متماسكة لا تخضع للضغوط أو الإغراءات السياسية.