غزة على الطراز الغربي... الروسان يتحدث لـ"أخبار الأردن" عمَّا يدار في الكواليس
قال الخبير العسكري، العميد الركن المتقاعد أيمن الروسان
إن القرارات الصادمة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد تعكس للوهلة الأولى نزقًا سياسيًا وعشوائية في صنع القرار، إلا أن التمحيص الدقيق في خلفيات هذه القرارات يكشف عن استراتيجية مدروسة بعناية، تنبع من رؤية أيديولوجية ومخططات جيوسياسية طويلة الأمد.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه السياسات ليست سوى امتداد عضوي لما عُرف بـ"صفقة القرن"، وهي ليست قرارات ارتجالية بقدر ما هي نتاج دراسات معمقة ذات أبعاد سياسية، واقتصادية، وأمنية، تهدف في جوهرها إلى تحقيق غايات ثلاثية الأبعاد: ربحية، تصحيحية، وانتقامية، في آنٍ معًا.
وبيّن الروسان أن هذه الاستراتيجية تخدم مصالح النخبة الحاكمة في واشنطن، والتي يجسدها ترمب ذاته، وهو رجل يسعى، تحت ستار السلام، إلى تحقيق مكاسب شخصية قد تصل إلى حد الترشح لنيل جائزة نوبل للسلام، غير أن هذه الطموحات تتشابك مع أهداف أعمق تتعلق بإعادة تشكيل النظام العالمي وفقًا لرؤية أحادية القطب، حيث تفرض الولايات المتحدة هيمنتها المطلقة على المشهد الدولي، فيما على الصعيد الداخلي، تهدف هذه السياسات إلى إعادة ضبط توازنات الدولة العميقة، بينما تسعى خارجيًا إلى تكريس الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط من خلال تحالف وثيق مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، التي تتبنى أفكارًا تلمودية ومشاريع صهيونية توسعية تسعى إلى فرض أمر واقع جديد، يقوم على ابتلاع الجغرافيا الفلسطينية وإفراغها من سكانها الأصليين.
واستشهد الروسان بالدراسة التي أعدها رئيس مركز التميز في الدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البروفسور جوزيف بيرلمان، كأحد الأدوات الأكاديمية التي وُظفت لخدمة هذا المشروع، إذ تتضمن هذه الدراسة خطة اقتصادية لقطاع غزة، تهدف في جوهرها إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين تحت مسمى "التطوير الاقتصادي"، مضيفًا أن ترمب استعرض هذه الخطة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في خطوة تكشف عن التواطؤ العلني بين الطرفين لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.
ونوّه إلى أن خطة بيرلمان تتلخص في تحويل غزة إلى كيان محلي منزوع السلاح، بلا سيادة سياسية أو عسكرية، بحيث يتم تحويل غرب القطاع إلى منطقة سياحية على الطراز الغربي، تُقام فيها فنادق ومنتجعات على الشريط الساحلي، بينما يُخصص الجزء الشرقي لبناء أبراج سكنية حديثة، بينما يخطط في المقابل، لتهجير سكان غزة إلى دول أخرى، مقابل تقديم مساعدات مالية لهذه الدول لسداد ديونها، وهو ما يشير إلى استخدام أدوات اقتصادية كوسيلة للضغط والترغيب.
وذكر الروسان أن هذه الخطة تفتح المجال أمام شركات خاصة وهيئات دولية للاستثمار في هذه المشاريع، عبر استئجار الأراضي لفترات طويلة تصل إلى خمسين عاماً، ما يعكس طبيعة الاستغلال الاقتصادي المرتبط بهذه العملية.
واستطرد قائلًا إن هذه الرؤية لما يُعرف بـ"اليوم التالي" لانتهاء الحرب تهدف إلى القضاء على حركة حماس، حيث تفترض الخطة تصفية جميع عناصر الحركة كجزء من مشروع إعادة هيكلة القطاع سياسيًا واجتماعيًا، إذ يبدو واضحًا أن تهجير سكان غزة والسيطرة غير المباشرة على القطاع أصبحا جزءًا من سياسة أمريكية مُحكمة التنفيذ، حيث راهن ترامب على إمكانية فرض هذا الواقع بالقوة، متجاهلًا صمود الفلسطينيين في غزة خلال خمسة عشر شهرًا من القصف العنيف الذي تعرضوا له على يد الاحتلال الإسرائيلي.
ونوّه إلى أن الأخطر من ذلك هو تجاهل السياسات للتداعيات الإقليمية، لا سيما تأثيرها على العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن، الذي يُعد حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ويستضيف على أراضيه قواعد عسكرية أمريكية، ذلك إن فرض تهجير الفلسطينيين يضع الأردن في موقف حرج، حيث يهدد أمنه القومي واستقراره الداخلي وهويته الوطنية، متابعًا أن إدارة ترمب لم تكن مترددة في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد الأردن إذا لم يرضخ لهذه السياسات، ما يعكس مدى استهتارها بعواقب زعزعة استقرار حليفها الإقليمي الأهم.
أما تصريحات ترمب بأنه "ليس في عجلة من أمره" لتنفيذ هذه الخطة، فهي ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب الدولي، وتكتيك سياسي يهدف إلى كسب الوقت، ريثما تهدأ موجة الاستنكار الدولي والعربي العارمة، فيما على الصعيد الأردني، كان موقف جلالة الملك عبد الله الثاني حاسمًا وواضحًا، حيث أكد أن الأردن لن يكون بديلًا عن فلسطين، ولن يقبل بأي مخطط لتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة، إذ ارتبط الموقف الأردني بتحركات الدبلوماسية الأردنية على أكثر من صعيد، من خلال إشراك أطراف دولية وتعزيز التحالفات مع قوى غربية مؤثرة لدعم الموقف الأردني، وصولًا إلى الدعوة لعقد قمة عربية في 27 فبراير، بهدف توحيد الصف العربي وتشكيل جبهة رفض قوية ضد هذه المخططات.
وفي إطار هذه الجهود، قام جلالة الملك عبد الله الثاني بزيارة رسمية إلى لندن، تلتها زيارة إلى الولايات المتحدة، حيث التقى بالرئيس ترمب وكبار المسؤولين وصنّاع القرار، ليؤكد رفض الأردن القاطع لسياسات التهجير، ويبرز خطورة هذه القرارات التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية وتفجير الأوضاع في المنطقة بأسرها، وفقًا لما صرّح به الروسان لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ما يتوجب فعله
لمواجهة هذه التحديات الجسيمة، تبرز الحاجة إلى تحرك فلسطيني موحد، من خلال تشكيل جبهة وطنية عريضة تضم كافة الفصائل والقوى السياسية، كما يتوجب على الدول العربية والإسلامية اتخاذ موقف موحد وحازم ضد هذه السياسات، والعمل على ممارسة الضغوط على الدول العربية التي أقامت علاقات مع الاحتلال لوقف أي تعاون أو تواطؤ مع هذه المخططات، علاوة على ذلك، ينبغي دعم مواقف الدول المحورية في المنطقة، مثل مصر، والأردن، والسعودية، التي رفضت بشكل قاطع تهجير الفلسطينيين، واعتبرت هذه السياسات تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي.
وقال الروسان إننا قد نشهد تلويحًا بإلغاء المعاهدات والاتفاقيات مع الولايات المتحدة، خاصة وأن التداعيات المترتبة على هذه السياسات لا يمكن تعويضها بالمساعدات المالية التي تقدمها واشنطن، ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية تعزيز الاعتماد على الذات، وتطوير شراكات إقليمية جديدة بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، لأن التاريخ أثبت أن المصالح الأمريكية تنحاز دائمًا لصالح إسرائيل عند تعارضها مع المصالح العربية.
في هذا السياق، دعا إلى إعادة النظر في الاتفاقيات المتعلقة بالطاقة والمياه مع الاحتلال الإسرائيلي، والعمل على تطوير مشاريع إقليمية مستقلة قادرة على تلبية الاحتياجات الوطنية بعيدًا عن الضغوط السياسية، كما ينبغي تعزيز التعاون بين الدول العربية لتطوير مشروع عربي مشترك، قادر على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.