عليمات يكتب: وهم السلام و «حل الدولتين»
عمر عليمات
عندما يعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن شرط الدولة الفلسطينية انتهى ولن يتحقق، فهذا ليس مجرد تصريح عابر، بقدر ما هو إعلان دفن لخيار السلام في المنطقة.
نتنياهو في حديثه أمس مع شبكة فوكس نيوز كان واضحاً تماماً، إلى الدرجة التي اتهم فيها مصر بتحويل غزة إلى سجن مفتوح، كونها تمنع الفلسطينيين من مغادرة القطاع، بعد أن وجّه سهامه سابقاً للسعودية مطالباً إياها بإقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة.
حديث نتنياهو يبني على الأمر الواقع، وهو ليس مجرد تصريحات في الهواء، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993 ارتفع عدد المستوطنين ليصل في 2024 إلى أكثر من 770 ألف مستوطن بزيادة تقارب سبعة أضعاف، فيما توسع الاستيطان ليشمل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، وكل ذلك تم خلال الفترة التي كان الجميع يتحدث فيها عن حل الدولتين، فيما كان هناك على الأرض تغيير ممنهج يجعل من هذا الحل وهماً، لا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال.
كما لا يمكن فصل التصريحات الإسرائيلية عن الاندفاع غير المسبوق للبيت الأبيض نحو تبني السردية الإسرائيلية والانقلاب على مبدأ «حل الدولتين»، الذي لطالما كان حجر الأساس لأي تصور لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا ما تؤكده خطة الرئيس الأمريكي لتفريغ غزة والموافقة العاجلة على بيع أسلحة بأكثر من 8 مليارات دولار لإسرائيل، وتوحد للمؤسسات الأميركية خلف هذا التوجه.
ما جاء به نتنياهو ومن خلفه البيت الأبيض لا جديد فيه سوى بإعلان ذلك جهاراً نهاراً، فقبل 5 سنوات كان عراب السلام في المنطقة جاريد كوشنر يتحدث عن الازدهار مقابل السلام، وأنّ العيش برخاء و»بحبوحة» اقتصادية بديل كافٍ مقابل تجريد الشعب الفلسطيني من أرضه وحقه بدولته المستقلة.
كل ذلك يقود إلى نتيجة واحدة، وهي أن السلام الذي تنشده إسرائيل هو السلام مقابل السلام، وعلى المنطقة تقبل فكرة أن أرض فلسطين التاريخية هي للإسرائيليين، وأن على الدول العربية إيجاد الحلول المناسبة لتوطين الفلسطينيين، سواء من خلال استيعابهم في الدول المجاورة، أو الذهاب إلى خيارات أبعد تصل إلى أمريكا اللاتينية.
الرهان على مجيء حكومة اسرائيلية جديدة رهان خاسر منذ الآن، فالتوجه الذي يُراد تطبيقه في المنطقة يتعدى نتنياهو، والتعنت في الذهاب نحو مبدأ حل الدولتين ليس سمة للحكومات اليمينية، بل هو سمة لكل الأحزاب الإسرائيلية، والاختلاف فقط بآليات المماطلة والتعامل مع المجتمع الدولي، وهذا ما سيتغير حتماً في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، فأي حكومة مقبلة ستكون أكثر تشدداً وتطرفاً، ما دامت الدولة التي تتزعم العالم، وتتحكم بقراراته الدولية، ليست لديها مشكلة في تهجير الفلسطينيين وتوسيع مساحة إسرائيل.
التصورات الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل المنطقة، ليست تهديدا لحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، بل يتعدى ذلك إلى خلق أزمات جديدة في دول الجوار، وهذه الأزمات ستمتد حتماً إلى ما هو أبعد من الجوار، أي أن أمن المنطقة برمته معرض للخطر، نتيجة هذه التصورات، فإذا كانت دول المنطقة ليست بوارد استعداء واشنطن من أجل الدول الفلسطينية، عليها أن تدرك أمنها بات في خطر، في ظل الانفلات الأمريكي الإسرائيلي لإزاحة سكان فلسطين وإيجاد أرض لهم في الجوار.
العالم العربي عليه أن يصل إلى مرحلة يسحب فيها مبادرته لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، ما دامت إسرائيل ترفض أي حديث عن دولة فلسطينية، ومن الحكمة أن يكون للدول العربية تصور مقابل، قائم على فرضية مفادها أن إسرائيل بكافة أجنحتها السياسية غير مقتنعة بفكرة السلام مقابل دولة فلسطينية بجوارها، ودون آليات ضغط مباشرة وغير مباشرة لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضي التي تحتلها، وسيظل الحديث عن السلام سرابًا يحسبه الظمآن ماء.