وليد عبد الحي يكتب: اليد الخفية في مرحلة ترامب
وليد عبد الحي
اشرت في مقالات سابقة الى الأبعاد النفسية في شخصية ترامب( بخاصة النرجسية المَرَضِيَة) من ناحية ومنظومته المعرفية (طغيان شخصية صاحب الشركة الخاصة) من ناحية ثانية، وتحرره من الآيديولوجيا المدرسية من ناحية ثالثة، لكنه في نهاية المطاف يعمل ضمن دولة ترسخت أركانها المؤسسية الضابطة للانفلات الفردي من جانب، وفي اطار عولمة تشابكت معها المصالح القطرية وتثاقفت المنظومات المعرفية المتباينة من جانب آخر، واصبحت وعود التطور التكنولوجي المستقبلي تنبئ بزلازل تزعزع مسلماتنا وتقودنا نحو فانتازيا تقوم على تماهي الحدود بين الآلة والانسان من الجانب الثالث.
ومن الضروري إدراك ان فترة حكم ترامب هي فترة قصيرة للغاية زمنيا (أربع سنوات)،لكن ايقاع التغير المتسارع في الجوانب التي اشرت لها يجعل هذه الفترة القصيرة اطول مما نعتقد بفعل تداعيات ما يترتب على تلك الجوانب المشار لها.
لكن سؤالا هاما لا يجوز القفز عليه يلح على من يحاول التفكير في النهاية التي سيذهب لها ترامب؟ فإذا استبعدنا متغير الموت الطبيعي (وهو امر لا نستطيع تقديره،فالرجل على اعتاب العام 79 سنة، بل ان الرئيس الامريكي التاسع-هاريسون- توفي بعد 32 يوما من توليه الرئاسة )، فان الاحتمالات الأخرى لمساره هي:
1- الاغتيال:
عرف التاريخ الامريكي اغتيال اربعة رؤساء وثلاث محاولات اغتيال أدت للاصابة دون الموت ، وهناك 3 محاولات اغتيال فاشلة لكنها ادت لاصابة آخرين، و اربع محاولات لاغتيال لكن لم يصب فيها احد وهناك رئيسان توفيا ولكن اشاعات راجت بانهما قتلا بطريقة غامضة(السم او غير ذلك)، وهو ما يعني أن فكرة الاغتيال للرئيس رافقت الرؤساء الامريكيين بنسبة تتراوح بين 30 -34% .
وعند مقارنة دوافع الاغتيال نجد أنها مرتبطة بمروحة من الاسباب ،لكن الفارق بين ترامب وغيره ممن اغتيلوا او تعرضوا للاغتيال ان ترامب فتح النار على اطراف متعددة داخليا وخارجيا ، كما أن قطاعا من حزبه الجمهوري بدأت تساوره الوساوس حول "رعونته" ، ناهيك عن تحريض لا يستهان به من نخب ثقافية وازنة في المجتمع الامريكي، ليترافق كل ذلك مع تجاوزه لكثير من اواصر التقارب مع حلفاء الولايات المتحدة من اوروبا الى كندا الى دول كثيرة في اقاليم العالم المختلفة، وهو ما قد يرفع نسبة هذا الاحتمال بقدر لا يستهان به.
2- العزل:
عرف التاريخ الامريكي ثلاث حالات مساءلة قانونية لرؤساء امريكا كان من بينها ترامب (الى جانب كلينتون وجونسون)، لكن ترامب واجه المساءلة القانونية مرتين (وهو الرئيس الامريكي الوحيد في هذه الظاهرة)، وها هو في اطار وضع " قد " يقود لمساءلة قانونية ثالثة رغم ضعف الاحتمال في هذه الحالة تحديدا ،فقد بدأ نائب امريكي من الحزب الديمقراطي وتسانده بعض المنظمات، اجراءات طرح موضوع مقاضاة ترامب بخصوص موضوع تهجير سكان غزة وتوجيه تهمة " التطهير العرقي في غزة " له . والملاحظ أن الولايات المتحدة لم تعرف رئيسا إشكاليا كترامب، فهو يخرج على تقاليد رئاسية كثيرة، وقد اثار قلق مؤسسات داخلية عديدة، كما ان تدخلاته في عمل المؤسسات كثيرا ما كان متجاوزا لحدوده الدستورية ، وهو الرئيس الاكثر تغييرا لرؤساء الهيئات الحكومية مقارنة بالرؤساء الامريكيين طيلة تاريخ امريكا السياسي، فإذا اضفنا لذلك العدد من القضايا التي ناقشتها المحاكم القضائية الامريكية والشكوك حول قدراته العقلية ، فان احتمال أن يصل لمرحلة ما وصل له "نيكسون" لا يمكن استبعاده مع الاقرار بأنه أكثر تحديا من نيكسون .
3- صراع البقاء:
ان اية قراءة لتقرير الخبراء الامريكيين حول شخصية ترامب يشير الى أنه " كذاب بنسبة 76%) بينما نرجسيته تصل الى مستوى 88% من النرجسية المرضية، اضافة الى براغماتية مفرطة واستعداد لتجاوز أي شيء لتحقيق "الربح المادي او الفوز المعنوي او تعزيز ذاتي لنرجسيته"، وما يساعده على ذلك أن فترة البقاء على الحلبة هي اربع سنوات ،وهي فترة تؤهله ليماطل في حيثيات أية عراقيل او مماحكات لعزله. ويتضح سلوكه المراوغ في الكثير من النماذج مثل:
أ- بعد ان اكد موضوع تهجير غزة عاد ليقول بعد ايام قليلة انه "ليس في عجلة من امره"
ب- تاكيده على علاقة طيبة مع الرئيس الكوري الشمالي رغم ان عداء كوريا الشمالية للولايات المتحدة يقارب عدائها لايران.
ت- وقف او تخفيف بعض الاجراءات التي اعلنها(بعض الجمارك على بعض الدول، اجراءات تهجير المخالفين من الاجانب في الولايات المتحدة..الخ)
ث- التمسك بالعلاقة الايجابية مع روسيا وبخاصة مع الرئيس بوتين
ذلك يعني انه لا يرى التكيف مع اي تغير بأنه نكوص عن "موقف "، فثقافة التاجر تقوم على المساومة ، فكسب "الزبون" لتحقيق الربح يعلو على مفاهيم "الموقف والقيم وغيرها " ، فترامب هو اقل الزعماء الامريكيين تدثُّرا بالقيم المطلقة من قوانين وحقوق انسان ..الخ.
وأظن ان ردود فعل الآخرين على سياسات ترامب هي التي تحدد مصيره وليس سياساته هو ، فهو لن يغير من جوهر سياساته إلا بمقدار استجابته التكيفية، وقد تكون ردود فعل الاتحاد الاوروبي بخاصة في موضوع الجمارك واوكرانيا وميزانية حلف الناتو موضوعات ذات وزن كبير في التأثير عليه، كما ان ردود الفعل الصينية وبخاصة ان موضوع تايوان قد يضع ترامب خلال رئاسته في موضع لا يحسد عليه بين تضاد نزعته الميركانتيلية وبين نزعة القوة الخشنة في المنظومة الامريكية، وهي متغيرات قد تعزز البديلين الاول والثاني.لكن الاستجابة لطروحاته التي يغلب عليها النزعة الميركنتيلية الصارخة تجعل من البديل الثالث سيد الموقف.
ان الامر طبقا لما سبق يشير الى ان رد الفعل الدولي على سياسات ترامب هو اليد الخفية التي ستحدد مصيره "البيولوجي او السياسي"...ربما.