إلى أي مدى يستطيع الأردن ملاحقة ترامب قانونيًا؟... نصراوين يجيب
في ظل تعقيدات المشهد السياسي الإقليمي والدولي، وتداخل الأبعاد القانونية بالاعتبارات الجيوسياسية، يبرز تساؤل بالغ الأهمية، وهو: إلى أي مدى يمتلك الأردن القدرة القانونية على ملاحقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ضوء مواقفه وتصريحاته ومخططاته المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومسألة التهجير القسري؟.
هذا التساؤل، الذي يلامس جوهر العلاقة بين القانون والسيادة من جهة، والقانون الدولي والنظام العالمي من جهة أخرى، يتطلب مقاربة تحليلية دقيقة، تُميز بين ما هو قانوني نظري وما هو واقعي عملي.
وفي هذا السياق، يقدّم الدكتور ليث نصراوين، الخبير الدستوري، قراءة معمقة تُفكك أبعاد هذا الإشكال القانوني، من خلال تسليط الضوء على الطبيعة الإشكالية للقانون الدولي، مقابل حدود السلطة القانونية التي يتمتع بها القانون الأردني في هذا الإطار.
أولاً: الإطار الدولي – القانون الدولي بين النظرية والتطبيق
قال الخبير القانوني نصراوين إن الحديث عن القانون الدولي كأداة لمساءلة شخصيات سياسية رفيعة المستوى، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنه لا بد من الإقرار أولًا بالطبيعة المزدوجة لهذا القانون، الذي يتأرجح بين كونه نظامًا مبدئيًا نظريًا وبين كونه أداة سياسية براغماتية تُستغل وفقًا لمصالح القوى الكبرى،
فرغم أن القانون الدولي – بما يتضمنه من اتفاقيات ومعاهدات ومواثيق – يُفترض به أن يُشكل مظلة ناظمة للسلوك الدولي، إلا أن واقع تطبيقه يكشف عن أزمة بنيوية تتجلى في غياب آليات تنفيذية ملزمة تُحول نصوصه إلى التزامات فعلية قابلة للتنفيذ.
وبيّن في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأحداث الجيوسياسية خلال العقود الأخيرة أثبتت أن القانون الدولي ليس سوى إطارًا نظريًا هشًا أمام هيمنة القوى العظمى، فعلى الرغم من صدور العديد من القرارات الدولية عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوزات القانون الدولي الإنساني، إلا أن التأثير العملي لهذه القرارات ظل محدودًا، إن لم يكن معدومًا، في ظل غياب جهاز قضائي تنفيذي عالمي قادر على فرض هذه الأحكام على الدول ذات السيادة.
وعلاوة على ذلك، تُعزز آلية الفيتو في مجلس الأمن الدولي هذا القصور، حيث تمنح الدول الخمس دائمة العضوية – وعلى رأسها الولايات المتحدة – القدرة على تعطيل أي قرار قد يمس مصالحها الاستراتيجية. وبالتالي، فإن أي محاولة لملاحقة ترامب عبر الأطر الدولية ستصطدم حتمًا بجدار النفوذ الأمريكي، الذي يُحكم قبضته على مفاصل النظام الدولي، وفقًا لما صرّح به نصراوين لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ثانيًا: الإطار الوطني – القانون الأردني كأداة سيادية
ولفت نصراوين الانتباه إلى أن القانون الأردني يُمثل إطارًا قانونيًا مختلفًا تمامًا، من حيث النطاق والصلاحيات وآليات التنفيذ، فالقوانين الوطنية تُمارس سلطتها على الأفراد والمؤسسات الخاضعة للولاية القضائية للدولة، وتتمتع بقدرة تنفيذية مباشرة تضمن تطبيق نصوصها داخل حدود السيادة الوطنية.
وفي هذا السياق، يبرز الحديث عن مشاريع قوانين مثل قانون منع التهجير كأداة تشريعية تهدف إلى حماية النسيج الديموغرافي الأردني والحيلولة دون فرض أي وقائع قسرية تتعلق بنقل الفلسطينيين من أراضيهم إلى الأردن.
وبحسب الدكتور نصراوين، يجب التأكيد على أن هذا القانون، رغم قوته الإلزامية داخليًا، لا يمتد تأثيره ليطال الإدارة الأمريكية أو أي جهة خارجية أخرى، فهو ليس سوى تشريع سيادي داخلي، لا يملك القدرة على منع ترامب أو غيره من المسؤولين الأمريكيين من الإدلاء بتصريحاتهم أو تنفيذ سياساتهم التي قد تتعارض مع المصالح الأردنية أو الحقوق الفلسطينية.
لكن، وعلى الرغم من محدودية تأثيره الخارجي، فإن لهذا القانون أبعادًا غير مباشرة تُعزز من القدرة التفاوضية الأردنية في مواجهة الضغوط الدولية، حيث يُمكّن الحكومة من الاستناد إلى نصوص قانونية صريحة ترفض أي مخططات تهدف إلى فرض واقع ديموغرافي جديد في المنطقة، وبالتالي، يُعتبر هذا القانون درعًا قانونيًا ودستوريًا يحمي السيادة الوطنية الأردنية ويُشكل حاجزًا أمام تنفيذ أي مشاريع تُهدد هوية الأردن الوطنية أو تُسهم في تصفية القضية الفلسطينية.
بين القانون والسيادة والسياسة
ويُخلص الدكتور ليث نصراوين إلى أن الفارق الجوهري بين القانون الدولي والقانون الوطني يكمن في فعالية التطبيق وآليات الإنفاذ، ففي حين يظل القانون الدولي رهين المصالح الجيوسياسية وصراعات القوى الكبرى، يتمتع القانون الأردني بسلطة تنفيذية مباشرة تضمن تطبيقه على أرض الواقع.
ومن هنا، فإن أي محاولة لملاحقة ترامب قانونيًا على المستوى الدولي تبدو غير واقعية، في ظل غياب آليات التنفيذ وتأثير النفوذ الأمريكي على النظام الدولي، أما على المستوى الوطني، فإن بناء منظومة تشريعية قوية مثل قانون منع التهجير يُعتبر خطوة استراتيجية لحماية المصالح الأردنية ودعم الحق الفلسطيني في مواجهة المخططات التهجيرية.
ونوّه إلى أن إضفاء الطابع القانوني على موقف الأردن الراسخ في رفض التهجير إلى أراضيه من شأنه أن يعزز قوة الموقف الرسمي لجلالة الملك عبد الله الثاني في محافله الدولية ولقاءاته مع قادة العالم، ولا سيما القيادات الأمريكية، فمن المعروف أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تُقدّم نفسها باعتبارها حامية للديمقراطية، وتحترم الإرادة الشعبية المعبّر عنها من خلال البرلمانات المنتخبة وما يصدر عنها من تشريعات وطنية.
وبناءً على ذلك، فإن صدور قانون وطني يجرّم التهجير إلى الأردن، ويؤكد بشكل صريح قاطع رفض المملكة لأن تكون وطنًا بديلًا تحت أي ظرف، سيشكل مرتكزًا قانونيًا وسياسيًا قويًا يدعم الموقف الأردني في جميع المحافل الدولية، كما أنه سيُسهم في قطع الطريق أمام أي ضغوط أو محاولات لفرض حلول تتناقض مع المصالح الوطنية العليا، وذلك عبر تقديم موقف قانوني مُلزِم لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه تحت ذرائع سياسية أو تفاهمات ظرفية، وفقًا لما قاله نصراوين.
ونوّه إلى أن مثل هذا القانون سيكون بمثابة تحصين قانوني للموقف الأردني، وإثبات قاطع أن رفض التوطين خيار حازم مدعوم بإرادة شعبية ومؤسساتية، مضيفًا أنه سيضع الدول التي تدّعي احترام الديمقراطية أمام اختبار حقيقي لمدى التزامها بالمبادئ التي تنادي بها، إذ لن يكون بوسعها تجاهل إرادة شعبية جرى التعبير عنها من خلال تشريع رسمي صادر عن مؤسسة دستورية منتخبة.
وعليه، فإن المضي قدمًا في إصدار مثل هذا القانون سيعزز قوة الطرح الأردني، ويمنح جلالة الملك سندًا قانونيًا إضافيًا في دفاعه المستمر عن حق الأردن في حماية أمنه القومي، واستقراره الديموغرافي، وهويته السياسية، الأمر الذي سيجعل أي محاولة للالتفاف على هذا الموقف أكثر صعوبة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
واختتم نصراوين حديثه بالقول إن القانون يعد أداة سياسية بامتياز، يتأثر بتوازنات القوى الدولية وحسابات السيادة الوطنية، لذا، فإن التكامل بين الأطر القانونية والسياسية هو السبيل الأمثل لتعزيز الموقف الأردني في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.