فرام يكتب: الأردن لن يكون الوطن البديل
أ. د. كميل موسى فرام
وقبل أن أبدأ، أسأل برسم التطبيق بغير براءة: إذا كان السلام والاستقرار هو المطلب الأساسي للشعوب، فلماذا يحاول البعض الالتفاف على أبجدياته وإحراف بوصلته؟ ولنبدأ هنا الحديث بعنوان المقال «الأردن لن يكون الوطن البديل»، عبارة قالها جلالة الملك أمام المجتمع الدولي ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بوضوح وتحمل في معانيها الحسم لأي تفكير يحاول تجاوز الحقيقة أو يمنح لنفسه فرصة العبث بالواقع؛ دولة ذات سيادة مستقلة بحدود ممتدة منذ بدء التاريخ، يسكنها شعب عظيم ذات انتماء وطني، وقد سجل الأردن انموذج الاستقرار ?السلم الذي جعل منه محجا ومضيفا عبر تاريخه فاستقبل سلسلة من أفواج اللجوء والهجرة لظروف عدم الاستقرار ببلدانهم معززين مكرمين لفترات مرحلية تعيدهم بأمانٍ بعد تغير الظروف، فعبارة الوطن البديل التي يتبناها بعض العرابين هي مجرد أوهام سياسية يسوقها البعض بحثا عن الخلاص بصور متعددة مع الادراك الكامل بأنها عبارة لغوية لا تستند لاعتبارات جغرافية أو تاريخية، ولن تكون واقعا.
نلاحظ بين كل فينة وأخرى بتغريدة الوطن البديل التي يطلقها البعض أو يتبناها، وأساسها البحث عن الشهرة أو محاولة فاشلة لفرض نفسها بدائرة الضوءبهدف مغادرة منطقة النبذ أو طوق نجاة لظروف خاصة تتطلب البحث عن شعبويات زائفة، أحجية طفولية لتعويض النقص للبعض، وللأسف فان مثل هذه التصريحات تصبح عنوانا للحديث في الصالونات السياسية ومحاور للنقاش على المستوى الأعلى في شقه الخارجي، فسيوف التهديد في أحلام البعض تنتهي بحضور الواقع المستند على أرضية ثابتة، والظروف التي تجتاح البشرية والمستجدة على حاضرها وإن خلطت الموازين وسمحت?للبعض بممارسة جنون التصرف بعيدا عن أبجديات وأدبيات القانون الدولي التي تحكم بتطبيقها لأسس العدالة، إلا أنها ليست صاحبة اختصاص لفرض شروط الواقع بالمقاس الذي تفصله لنواياها.
الوضع القانوني للدولة الأردنية بحدودها المعروفة وسكانها وجذورها هو حقيقة لا يمكن العبث بأركانها ولن نسمح لأحد حتى بمجرد التفكير للإقتراب منها، ليس منحة مرحلية تبناها البعض أو رهنها برسم التغيير، والتسهيلات التي قدمها الأردن للبعض بحكم الظروف من منطلق انساني مقدرة لأن الكبير بأخلاقه يعطف على المحتاج، ويقيني أن ذاكرة الشعوب تعرف الحقيقة وتدرك تماما أن الليونة لا تعني الضعف، بل الأولى ويجب على المجتمع الدولي ممثلا بهيئاته ذات السلطة أن يعلن بوضوح حقوق الشعوب بأوطانهم بهدف نشر رياح الاستقرار والطمأنينة، فربما ?ختلاف الرؤية وظروف اعادة امتلاك القوة بمرحلية قد سمح بتطبيق القانون الدولي بمقاسات منحرفة ومنح الاذن للبعض بالتمادي في التفكير وأعطى الضؤ الأخضر لتطبيق أعراف الغاب حيث القوة ارهاب؛ الحقيقة أن الواقع لا يحتاج للتفسير حتى بالمسميات، ومن يدرس ويؤمن بدروس التاريخ يدرك تماما أن الحقوق لن تضيع.
في خطابه التاريخي لجلالة الملك عبدالله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين بنيويورك، وضع جلالته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه الأزمة الإنسانية في فلسطين، وقد كان صريحا بتضمين خطابه عدة رسائل على المستويات السياسية والإنسانية والقانونية الدولية، حملت في طياتها مضامين قوة الخطاب وعمقه مُدعماً بالأدلة والأرقام والبرهان، وكأنما يقدم جلالته محاكمة لضمير الإنسانية لصمته عما يجري على واقع الأرض مدعوما بصور متعددة ضمن حجج وبراهين لا يمكن القبول بها، وقد قدم?جلالة الملك ما يمكن وصفه بالمحاكمة للضمير الإنساني، ولإرادة قادة العالم، ليصبوا جهودهم سوية من أجل وقف الهمجية، أو الانحياز للباطل الذي ستصيب آثاره وسلوكياته المدمرة كل بقعة في هذا العالم، حيث يخفت صوت العقل، ويعلو صوت الجهل، وحيث تبقى قيم ومعاني الإنسانية انتقائية حسب الأهواء، وحينها يعود العالم إلى سنوات القتل والدمار والحروب المدمرة، فالعدالة التي تحمل معاني متعددة وصور تتناسب مع متطلبات التطبيق للبعض، أي عدالة مجتذرة ناقصة، ستقود لمزيد من العنف والكراهية التي ستطال كل الشعوب والبلاد بدون استثناء.
التفكير الذي يسلكه البعض والمبني على أسس إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة برمتها، وإعادة توزيع الأدوار بين دولها، لن يكون بمنطق الوطن البديل مهما كانت الظروف، ولن يسمح الأردن بأي ظرف للعبث بحدوده أو محاولة تغيير طبيعته الديمغرافية، فجلالة الملك نطق بلغة واضحة من على المنبر الدولي وأوصل الرسالة الأردنية الواضحة؛ بلد مستقر ذات سيادة، تحكمه سلطات الدولة، يحميه جيش قوي مدرب ومجهز ومزود بأحدث الأسلحة القادرة على حماية سمائه وبره وبحره وحدوده، يسكنه شعب متناسق لن يسمح لأحد بالاقتراب أو محاولة زعزعة الاستقرار، ?قبل أن أختم أود إعادة ما بدأت حيث أمنية الشعوب ومتطلباتها السلام والاستقرار، أمنيات غير خلافية، فكيف يفسرها البعض ويحللها ويغير معالمها؟ نقطة نظام بحاجة للمراجعة وللحديث بقية.