التل يكتب: عقيدةُ مَلِك
أ.د. وائل عبد الرحمن التل
نَعرِفُ الملفات السّياسية، بأبعادها، التي يحمِلُها جلالةُ المَلِك عبد الله الثاني ابن الحسين في الزّيارات الملكية، واللقاءات التي يعقدُها، والحوارات التي يُجريها، والمحادثات التي يقودها، في مختلف دول أوروبا وبريطانيا وأميركا، وغيرها، ومع دوائر ومفاصل صُنع القرار فيها، وهي ملفاتٌ صعبةٌ ومعقّدةٌ، لكننا مطمئنّون وهي بين يدي جلالتِه، لأنّ ملفات الملك دوماً ما تكون كاملة وشاملة، ويُغلّفُها الثّباتُ في الموقف، والرؤية الثاقبة، والبُرهان، ويمتلكُ لها أدواتَ إقناعٍ، ولغتُهُ فيها واضحةٌ دقيقةٌ يفهمُها العالم، والتي جَعلت هذا العالم ينصِتُ إلى صوتِ جلالته بإمعانٍ واحترامٍ، ويتفاعلُ معها ويدعَمُها؛ فتغيّرت بها توجّهات دول العالم واتجاهات الرأي العام العالمي إلى وجهة المَلِك التي ستقود إلى الاستقرار الإقليمي ويعزّز السلام فيه.
وعلى رأس هذه الملفات السّياسية ملفُّ القضيّة الفلسطينية، والذي يتشبَّثُ جلالة المَلِك فيه بالحقّ الفلسطيني والدّفاع عنه، وبالوصايةِ الهاشميّة على المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس ولايةً ورعايةً ودفاعاً، وهذا إرثٌ تاريخيٌّ سارَ إلى ذمّته من ذمّة الملوك الهاشميين منذ عهد الشريف الحسين بن علي؛ فحَمل المَلِكُ أمانةَ ومسؤوليةَ هذا الإرث وصار عنده عَقيدَة.
عَقيدةُ المَلِك هذه صارت مُنطلقاً للجُهد الملكي، والذي يقفُ فيه موقفاً حازماً في رفضِ وإفشالِ المشاريع والمخططات التي تتناقض وتتعارض مع الحق الفلسطيني، ومع الوضع والحقّ التاريخي والقانوني للقدس والمُقدّسات فيها، ومع القرارات الدولية ذات الصلة، وكلها مشاريعٌ ومخططاتٌ كانت ستَفرِضُ حقائقَ جديدةٍ على الأرض بالتهجير وبإفراغ الأرض من أصحابها وبإنجاح مشروع تصفية القضية الفلسطينية، مثل مشاريع التوطين والوطن البديل، لذلك جاءت اللآءات الثلاث لجلالة المَلِك: «لا للتوطين، لا للوطن البديل، والقدس خط أحمر».
والسياسةُ الأردنيّةُ تقومُ على هذا الجُهد الملكي فيما تبذله من جهود مكثّفة ودؤوبة في الدفاع عن القضية الفلسطينية ورفض كل بديل عن حلّها حلّاً شاملاً عادلاً، وفي الدفاع عن القدس ومقدّساتها وأهلها، وفي مساعدة الفلسطينيين للتشبّث بأرضهم وتثبيتهم فيها ورفض تهجيرهم منها وإحداث تغيير في ديموغرافية المكان والسّكان، وفي مساعدة الفلسطينيين للدفاع عن خيارِهِم الاستراتيجي بحماية حقّهم في السيادة على ترابهم الوطني وبناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية والعيش فيها بحرية وكرامة.
أمّا الشعبُ الأردني فيقفُ خلفَ جلالة المَلِك ثقةً بالملك وبحنكته، ويدعمُ الجهود السّياسية الأردنيّة ليقينه بقدرتها على جعل الثوابت الأردنيّة، عقيدة المَلِك، مُنطَلَقاً لا تحيدُ عنه في جميع تحرّكاتها ومناقشات لقاءاتها في المحافل والأروقة الدولية، كما يقفُ الشعب الأردني موقفه هذا تعظيماً لدور الجيش الأردني وتضحياته في فلسطين الذي خاض لأجلها معارك بطولة وفداء مثل اللطرون وباب الواد والقدس القديمة بأسوارها وحاراتها، وروت دماءُ رجالِه أرضَها، وتعظيماً لدور العشائر الأردنيّة فيها ولأجلها، وتعظيماً لتضحيات وصمود وصبر الشّعب الفلسطيني، والذي يعيش حالياً أصعب مراحل تاريخ الدفاع عن أرضِهِ ووطنِهِ وهويّتِهِ.
نحنُ خلف جلالة المَلِك، وعَضُدُه، في رفض حرب الإبادة والتطهير العرقي وكلّ خطط (الترانسفير) لأهلنا في غزّة والضفة الغربيّة، ورفض كل التّهديدات والتصريحات العدائية فيها، فهذه جرائم حرب ضدّ الفلسطينيين، وجرائم حرب ضد الإنسانية، ونحنُ السّنَدُ القويُّ للجُهد الملكي لحلّ القضية الفلسطينية حلّاً شاملاً وعادلاً، ونحنُ الحِزامُ والحَزْمُ، والحُسامُ والحَسْمُ، والسَّدُ المتينُ في جبهة الوطن مع جيشنا سياج الوطن المنيع وسيفه، ومع أجهزتنا الأمنية والمخابرات العامّة حِصن الوطن ودرعه، لمواجهة كل الأخطار المُحدقة به والدفاع عن وجوده وهويته، فهذا كان عهدُ أجدادِنا وآبائِنا، الذي ورثناه بكلّ أماناته، ونحمِلُ ونتحمَّلُ كل ما يتوجّب عليه من مسؤوليات، بيقينٍ وعزيمةٍ صلبةٍ لا تلين، فلسنا نحنُ الذين نقولُ للوطنِ وللمَلِك: «فاذهَب أنتَ وربُّكَ فقاتِلا إنّا هاهُنا قاعدون»، والسلام.