جرار يكتب: إجماع لا يفسد للإسناد قضية

  بشار جرار

 

لكثرة ما تعرض له الأردن عبر مئوية ونيف، صار الناس خبراء في إدارة الأزمات. تكاد تكون ردود الأفعال واحدة من حيث الدوافع والنمط والوتيرة. أكثر ما يفرح القلب ويبعث على الاعتزاز خاصة في المهجر هو انبهار غير الأردنيين بغيرة النشامى داخل المملكة وخارجها على كل ما يعني الأردن وما يهم الوطن من قضايا وأخبار، فما بالك إن كانت في الصميم وفي أكثر المراحل دقة.

يتطلب الأمر تعظيم الإجماع الوطني الداعم لرؤى ومواقف القيادة، دونما إفراط ولا تفريط، بحيث لا يفسد ذلك الإجماع الإسناد المطلوب لأكثر من قضية مطروحة في مرحلة ما، ربما تتقاطع فيها أجندات المعنيين، أو تتضارب بما يصب في ضرورات القدرة الأردنية على التعامل مع تلك الضغوط بما يوفر العدد الأكبر والأقوى من الأوراق في أيدي المفاوض الأردني سيما وقد صار الإعلام بجناحيه التقليدي والجديد ساحة أمامية من ساحات الاشتباك.

يبقى الشارع من أقوى رسائل الداخل إلى الخارج، لكنه يحتاج للتعبير عن زخمه وديمومته إلى ما هو أكثر من التظاهر. مرحى لكل من شارك في الفعاليات الشعبية في جميع محافظات المملكة. رسالة الدعم والإسناد أمس الأول الجمعة كانت ساطعة كما الشمس في يوم هطلت فيه أمطار الخير والنعم والبركات بعد انحباس، دعم فيه النشامى بالأعلام الأردنية وحدها وبالشماغ الأردني وبالهتافات والصور والأناشيد والأغاني قائد الوطن المفدى جلالة سيدنا وقائدنا الأعلى عبدالله الثاني ابن الحسين وقد أحيينا بعظيم المحبة والإجلال، الذكرى السادسة والعشرين ليوم البيعة والوفاء.

ما قصّروا النشامى، والعتب ليس مرفوعا بل محفوظ حتى يأتي أوانه لمن غاب دون عذر عن التعبير بشتى الوسائل المتاحة عن دعمه للأردن أمام كائن من كان وفي أي قضية كانت. وهنا تتجلى حكمة وحصافة من يبقي الهدف أمام ناظريه دون التفات للفرقعات الإعلامية وفقاعات منصات التشتيت والتضليل الاجتماعي. الأمثلة كثيرة هذه أهمها وقد سبق ذكرها في مراحل مشابهة: الرسالة الأسرع في الوصول هي الخفيفة غير المركبة والتي لا تحتمل لبسا وليست قابلة للتفخيخ بما يعيق وصولها أو يحرفها عن غايتها. بمعنى تركيز الدعم بالكلمة أو الصورة والأهم السردية على الموضوع الأهم والأولى بالاهتمام الدائم. القضية هي الأردن، هويته، سيادته، أمنه واقتصاده. الأحداث أو الإعلانات الطارئة -مهما علا ضجيجها- ليست القضية، ولا مطلقها هو القضية، مهما كان الصدى مدويا، القضية هي الأردن والهدف هو كسب أكبر عدد من الأصدقاء، وتحييد أكبر عدد من الأعداء أو الخصوم، واستمالة أكبر عدد من غير المهتمين أو المترددين. ولا يجوز أن يكون تحقيق هدف على حساب هدف آخر، فيصير الحال كمن يكسب نقطة هنا ويخسر نقاط هناك، أو أن يكون مجموع حاصل ما كسبنا أصغر مما نخاطر بخسارته.

العلاقات الأردنية الأمريكية، بكل مستوياتها مهمة، بل غاية في الأهمية، وكذلك العلاقات مع الجوار، كل الجوار وخاصة المعنيين بتهديدات التهجير قسرا أو طوعا، بأساليب ناعمة أو خشنة. الدعم العربي والإسلامي والأوروبي والدولي مهم، لكن ليس على حساب أطراف أخرى قد تكون هي الأقدر على تسوية الكثير من النقاط الخلافية بما فيها الصدامية.

الوعي القانوني والسياسي في انتقاء المفردات وليس فقط صياغة الخطاب السياسي والإعلامي مهم للغاية، كونه يؤسس لحالة مزاج ومن ثم رأي عام وذلك يعني في نهاية المطاف سلوكا ومواقف لها حساباتها، في كل ما يجري. نتعلّم من قيادتنا الهاشمية عبر التاريخ الحصافة التي تزن الكلمة -نطقا وصمتا- بميزان من ذهب، وتهندس القرار ببيكار ألماسيّ بأربعة وعشرين قيراطا.

كلنا ثقة بأن القمة المرتقبة في واشنطن بعد غد الثلاثاء الحادي عشر من فبراير، ستثمر ما فيه الخير. على عكس ما يظنه البعض، ما يجمع المبادئ والمصالح الأردنية والأمريكية أقوى من خلافات على حلول لمشاكل لم يتسبب بها أي من الطرفين. كارثة السابع في المقام الأول، أما تداعياتها الإسرائيلية فتلك خاضعة للمحاسبة الداخلية في إسرائيل والتي صارت من الأوراق التي يملكها المفاوض الأردني والأمريكي معا كحلفاء وكشركاء مع كل من تسبب بمعاناة المدنيين، بل في الجوار والشرق الأوسط وربما العالم كله، إن مضى الرئيس دونالد ترامب في مشروعه -ريفيرا الشرق الأوسط- الذي قال الجمعة أنه «ليس في عجلة من أمره» بعد عاصفة الرفض الأردني-المصري له ، بكل ما حظي به من دعم سعودي ومن ثم عربي وأوروبي والدولي. مهم دعم حلفاء من داخل البيت الأمريكي للموقف الأردني لكن مرة أخرى دون إفراط وتفريط لأن العلاقة بين إدارتين دون الدخول في تفاصيل معارك قد تكون داخلية أمريكية أو حزبية جمهورية معنية أكثر بتفاعلات ما صدر عن «دووج» بقيادة إيلون ماسك من قرارات لا زالت تحظى بدعم الرئيس الأمريكي الذي سخر من صورة غلاف التايمز الذي غمزه من قناة ماسك وكأنه رئيس أمريكا غير المنتخب!

من غير المفيد انقياد حماسة بعض المستائين من تصريحات ترامب فيما يخص إعادة إعمار غزة، ترحيل أو تهجير الغزيين، انقيادهم إلى معاركة داخلية وجانبية تبعدنا عن الهدف الأهم وهو أفضل علاقة ممكنة مع الإدارة الأمريكية خاصة العام الحالي والمقبل، لحين موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أو التمهيدية الرئاسية، حينها قد تتغير المعادلة في مجلسي الشيوخ والنواب أو تتعزز الأغلبية فيهما وخاصة النواب، لصالح «ماغا» وأجندة «أمريكا أولا».