المغرب والعراق... بيان مفصلي بشأن فلسطين

تجسد مواقف المملكة المغربية وجمهورية العراق من القضية الفلسطينية، كما وردت في البيان المشترك الصادر إثر زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية العراقي إلى الرباط، انعكاسًا لرؤية استراتيجية متكاملة تحكمها ثوابت تاريخية واعتبارات دبلوماسية عميقة، تعكس إدراكًا مشتركًا لطبيعة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، فضلًا عن تشابك المصالح الإقليمية التي تجعل من القضية الفلسطينية ركيزة مركزية في معادلة الاستقرار الإقليمي.

من حيث المبدأ، أكد البيان المشترك على تمسك البلدين بالموقف الثابت الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ما يعكس التزامًا واضحًا بمحددات القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، والتي تشكل المرجعية الأساسية لأي حل سياسي عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

إن هذا التمسك يقرأ بوصفه تعبيرًا عن رؤية استراتيجية ترى في استمرار الاحتلال الإسرائيلي خطرًا داهمًا على الأمن والاستقرار الإقليمي، إذ لا يمكن تحقيق بيئة سلمية في الشرق الأوسط دون حلٍ عادل للقضية الفلسطينية يضع حدًا لسياسات الاستيطان والتهجير القسري والانتهاكات الممنهجة التي يمارسها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

رفض القفز على الشرعية الدولية والمشاريع التصفوية

إضافة إلى ذلك، أكد البلدان رفضهما المطلق لكل المشاريع التي تسعى إلى فرض حلول قسرية تتجاوز الحقوق التاريخية والسياسية للشعب الفلسطيني، سواء عبر محاولات فرض التطبيع القسري بديلًا عن الحل العادل، أو من خلال مخططات التهجير القسري، التي تندرج ضمن ممارسات تطهير عرقي ممنهج تتنافى مع القوانين والأعراف الدولية.

إن هذا الرفض يعكس استيعابًا عميقًا لما تمثله القضية الفلسطينية من بعد سيادي بالنسبة للشعوب العربية، حيث إن أي محاولة لتجاوزها أو تهميشها تعني المساس بمبدأ سيادة القرار العربي، وتكرس منطق الإملاءات الخارجية الذي أثبت التاريخ فشله في التعامل مع قضايا المنطقة.

الموقف من التصعيد العسكري واستهداف المدنيين

على صعيد آخر، شدد البيان المشترك على أهمية الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، في ضوء الهجمات الإسرائيلية المستمرة على المدنيين، وما أسفر عنه ذلك من خسائر بشرية فادحة، وتدمير ممنهج للبنية التحتية، وتفاقم الوضع الإنساني إلى مستويات كارثية.

ويبرز هذا الموقف إدراكًا سياسيًا عميقًا لحقيقة أن استمرار العدوان الإسرائيلي لا يمثل فقط خرقًا للقانون الدولي الإنساني، بقدر ما يعد عاملًا رئيسًا في تأجيج حالة عدم الاستقرار، وخلق بيئة من الاحتقان السياسي والاجتماعي، من شأنها أن تؤدي إلى موجات جديدة من العنف، ستمتد إلى الإقليم برمته، وهو ما يجعل من وقف التصعيد ضرورة سياسية وإنسانية على حد سواء.

الدور الإنساني والمسؤولية العربية

من جهة أخرى، نوّه البيان المشترك إلى أهمية الجهود التي تبذلها المملكة المغربية وجمهورية العراق في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة للشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة، وذلك في إطار مسؤولية عربية – إسلامية لا يمكن التنصل منها، خصوصًا في ظل ما يعانيه الشعب الفلسطيني من ظروف إنسانية مأساوية جراء الحصار والاستهداف العسكري المستمر.

ويشكل هذا الالتزام تعبيرًا عن رؤية تتجاوز المواقف السياسية إلى البعد العملي، حيث لا يقتصر الدعم المغربي – العراقي على البعد الدبلوماسي فقط، وإنما يتعداه إلى الدعم الميداني، سواء عبر المساعدات الإنسانية المباشرة، أو من خلال الجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في كلا البلدين لدعم صمود الفلسطينيين على أرضهم.

الموقف من محاولات التهويد وتغيير الوضع القانوني للقدس

كما شدد البيان المشترك على رفض البلدين القاطع لمحاولات تهويد القدس، أو أي إجراءات أحادية الجانب تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة، حيث إن مثل هذه المحاولات تشكل انتهاكًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة، واعتداءً مباشرًا على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في المدينة.

ويأتي هذا الموقف في سياق الجهود الدبلوماسية المستمرة التي تبذلها المملكة المغربية من خلال لجنة القدس، برئاسة جلالة الملك محمد السادس، والتي تعمل على التصدي لمحاولات تغيير الهوية الدينية والثقافية للقدس، وتعزيز صمود المقدسيين في مواجهة السياسات التهويدية التي تستهدف وجودهم وحقوقهم التاريخية.

البعد الجيوسياسي والتنسيق الاستراتيجي

أخيرًا، يعكس البيان المشترك بين المغرب والعراق مستوى عالٍ من التنسيق السياسي والدبلوماسي بين البلدين، في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة التي تفرض على الدول العربية ضرورة بلورة رؤية موحدة لمواجهة التهديدات التي تستهدف الأمن القومي العربي.

إن هذا التنسيق يمتد إلى مختلف القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما يعزز من فرص تشكيل جبهة عربية أكثر تماسكًا وفاعلية في مواجهة التحديات الراهنة، سواء كانت مرتبطة بالقضية الفلسطينية، أو بالتدخلات الخارجية في الشؤون العربية، أو بتهديدات الإرهاب وعدم الاستقرار.

في المجمل، يمثل البيان المشترك بين المغرب والعراق وثيقة سياسية تعكس التزامًا واضحًا بمركزية القضية الفلسطينية في أولويات السياسة الخارجية للبلدين، وتجسد رؤية استراتيجية متكاملة قائمة على مبادئ القانون الدولي، والرفض القاطع لأي محاولات لتصفية الحقوق الفلسطينية تحت أي مسمى.

وبالنظر إلى التغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فإن مثل هذه المواقف تشكل ركيزة أساسية في إعادة بناء موقف عربي موحد، قادر على مواجهة الضغوط الدولية، والتصدي لمحاولات فرض حلول أحادية الجانب لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.