أسئلة في الصميم حول محاولات التهجير يطرحها العموش عبر "أخبار الأردن"

قال الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش إن هناك العديد من التساؤلات الجوهرية حول الخلفية التي ينطلق منها هذا طرح التهجير، سواء كان سياسيًا، عقائديًا، أم اقتصاديًا.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن منصب رئيس الدولة يقتضي اتخاذ القرارات بناءً على معادلات المصلحة الوطنية والاستراتيجية، فإن التساؤل الجوهري يتمحور حول هوية المستفيد الحقيقي من هذا المخطط، وهل يصبُّ في مصلحة الولايات المتحدة أم يخدم أجندات أخرى ذات طابع أيديولوجي أو استعماري؟

وبيّن العموش إن ما طرحه ترامب لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره خرقًا فاضحًا للأعراف الدولية وللقوانين التي تحظر عمليات التهجير القسري، إذ تتبنى معظم دول العالم، بما في ذلك القوى الكبرى مثل الصين، وروسيا، والمملكة المتحدة، موقفًا معارضًا لمثل هذه السياسات الإقصائية التي تُعيد إلى الأذهان سيناريوهات التطهير العرقي، وحتى الدول الغربية التي كانت يومًا ما الحاضنة التاريخية لمشروع قيام إسرائيل، كفرنسا وألمانيا، لا ترى في هذا المخطط أي صيغة قابلة للتطبيق ضمن إطار حل الدولتين، الذي يمثل الإجماع الدولي الراهن.

وإذا ما سلمنا بأن الرئيس الأمريكي لا يؤمن بحل الدولتين، فهل يمكن افتراض أنه يروج لحل الدولة الواحدة؟ وإن كان كذلك، فكيف لهذه الدولة أن تتأسس دون أن تصبح كيانًا متناقضًا مع المبادئ الديمقراطية، في ظل التعدد الديني والإثني الذي يميز المجتمعات البشرية عبر التاريخ؟، فالتجربة التاريخية تثبت أنه لا توجد دولة ذات تجانس ديني أو عرقي كامل، حتى في أشد الأنظمة السياسية انغلاقًا، فالهند، على سبيل المثال، رغم أغلبيتها الهندوسية، تضم مكونات دينية وإثنية متعددة، وكذلك الحال بالنسبة للصين والولايات المتحدة نفسها، وفقًا لما صرّح به العموش لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وإذا كان ترامب يتبنى فكرة "بيور إسرائيل"، فإن هذا يضعه في مواجهة مع الواقع والتاريخ، إذ إن اليهود عاشوا لقرون طويلة ضمن مجتمعات متعددة الثقافات في العالم العربي والإسلامي، حيث تمتعوا بالحقوق المدنية والدينية، فلماذا يُراد اليوم عزلهم داخل كيان مغلق؟.

من جهة أخرى، نوّه العموش إلى أن تواطؤ واشنطن مع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وصمتها إزاء المجازر التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين، يشير إلى ازدواجية خطيرة في المعايير، إذ كيف يمكن للولايات المتحدة، التي تزعم أنها حامية الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن تتغاضى عن قتل الآلاف من المدنيين، بينما تنشغل في الوقت نفسه بمسألة البناء وإعادة الإعمار وكأن المشكلة تكمن في المباني وليس في الأرواح التي أُزهقت؟.

وذكر أن ما يجري لا يمكن تفسيره إلا كجزء من استراتيجية أوسع نطاقًا تهدف إلى فرض التهجير القسري تحت غطاء إنساني زائف، وهو ما يفسر الترحيب الحماسي من قبل الأوساط الصهيونية المتطرفة بمقترحات ترامب، فكيف يمكن التوفيق بين الادعاءات بضرورة إخراج الفلسطينيين لضمان "ظروف معيشية إنسانية" وبين السياسات الإسرائيلية التي تتبنى التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وهدم المنازل بشكل ممنهج؟.

وإذا كانت الدولة العبرية ترفض قيام دولة فلسطينية، وترفض أيضًا نموذج الدولة الديمقراطية متعددة القوميات، فما هو البديل الذي تسعى إليه؟... وهل هو استمرار الاحتلال العسكري الأبدي؟... أم فرض نظام أبارتايد عنصري يستثني الفلسطينيين من حقوق المواطنة؟، وفقًا لما طرحه العموش من أسئلة، متابعًا أن الفلسطينيين، ومنذ نكبة 1948، أثبتوا قدرتهم على الصمود، ولم تُفلح عقود الاحتلال والاضطهاد في إجبارهم على مغادرة وطنهم، بل ازدادت أعدادهم في الداخل، مما يؤكد أن محاولات تفريغ فلسطين من سكانها لن تنجح.

أما من الناحية الجيوسياسية، فإن حديث ترامب عن نقل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر يعكس جهلًا أو تجاهلًا تامًا للواقع الإقليمي، فالأردن دولة مستقلة ذات سيادة، وترفض بشكل قاطع أي مخطط يمس بتركيبتها الديموغرافية أو يستهدف تهجير الفلسطينيين إليها، كما أن مصر لا يمكن أن تكون طرفًا في مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال إعادة توطين أهلها في أماكن أخرى، فهذه الدول العربية تدرك تمامًا أن فلسطين للفلسطينيين، وأن محاولة فرض أي حلول غير عادلة ستؤدي إلى تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.

ولفت العموش الانتباه إلى أن الشعوب العربية، سواء في الأردن أو مصر أو غيرهما، لن تقبل بأي شكل من الأشكال أن يتم تهجير الفلسطينيين قسرًا، لأن ذلك يتناقض مع مبادئ الحق والعدالة، وإذا كان ترامب يظن أنه قادر على فرض مثل هذه المشاريع بالقوة، فعليه أن يعيد النظر في تجارب التاريخ، التي أثبتت أن الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها لا يمكن أن تُهزم بسهولة.

واختتم حديثه بالقول إن محاولة شرعنة التهجير القسري بذرائع واهية، سواء تحت غطاء تحسين الظروف المعيشية أو بحجة الأمن والاستقرار، لن تؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الأزمة، كما أن العالم بأسره، بما في ذلك المؤسسات الحقوقية والدولية، يدرك أن هذه الطروحات ليست سوى امتداد لسياسات استعمارية لم يعد لها مكان في القرن الحادي والعشرين، وعليه، فإن رفض هذه المخططات يجب أن يكون موقفًا حاسمًا وثابتًا، ليس فقط من قبل الفلسطينيين، وإنما من قبل كل القوى الحية في العالم التي تؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان.