صرف الانتباه عن مخطط تفكيك الدولة في واشنطن... عقل يوضح لـ"أخبار الأردن"

 

قال الخبير الاقتصادي هاشم عقل إنه في خضم الضجيج الإعلامي الذي يحيط بتصعيد الصراع في غزة، والاضطرابات السياسية في بنما، والأزمة البيئية المتفاقمة في غرينلاند، يطفو تساؤل جوهري إلى السطح حول ما إذا تتخذ المؤسسات الإعلامية هذه القضايا كوسيلة لصرف الانتباه عن التحولات العميقة التي يشهدها مركز صناعة القرار العالمي في واشنطن.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن توزيع التغطية الإعلامية بين هذه الملفات ليس محض صدفة عشوائية، ذلك أنه يخضع لاستراتيجيات مدروسة، تُوَجَّه وفقًا لمصالح القوى المهيمنة، بما في ذلك النخب الاقتصادية والسياسية التي تحاول إعادة تشكيل النظام الأمريكي بطرق غير تقليدية، بعيدًا عن الرقابة المباشرة للمؤسسات الرسمية.

وفي قلب هذا المشهد، تبرز شخصية إيلون ماسك، الذي أصبح، وفقًا لقراءات متزايدة، قائدًا فعليًا لما يُعرف بـ"حكومة الظل"، التي تسعى إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة الأمريكية بطرق جذرية، قد تصل إلى حدود التفكيك وإعادة التشكيل.

وقال عقل إن قطاع غزة يمثل واحدة من أكثر البؤر توترًا في الشرق الأوسط، حيث يتصاعد العنف بوتيرة متسارعة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في القطاع، مضيفًا أن تصاعد الأحداث هناك، رغم كونه واقعًا مؤلمًا بحد ذاته، إلا أنه يتزامن بشكل متكرر مع تحولات سياسية حساسة في أماكن أخرى، مما يجعله أداة جاهزة للإعلام العالمي لصرف الانتباه عن قضايا أكثر حساسية تمس مراكز صناعة القرار.

وأشار إلى أن المؤسسات الإعلامية الكبرى تتعامل مع تغطية غزة وفق نسق محدد وهو تضخيم التداعيات العسكرية والإنسانية عندما يكون هناك مصلحة لصرف الانتباه عن أحداث داخلية حساسة في الولايات المتحدة، ثم تخفيف التركيز الإعلامي عليها عندما تتبدد الحاجة إلى ذلك، وهذا يطرح تساؤلًا حول ما إذا كان إبراز الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، في هذا التوقيت تحديدًا، يهدف إلى إشغال الرأي العام عن إعادة هيكلة الدولة الأمريكية بطرق تتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية.

أما في بنما، فإن الاحتجاجات ضد الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تُقدَّم في الإعلام بوصفها أزمة قائمة بذاتها، لكنها في الواقع تعكس اضطرابات عميقة في السياسة اللاتينية ترتبط بأنماط تحكم النخب العالمية في الاقتصاديات الهشة، وفقًا لما قاله عقل لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولقت الانتباه إلى أن ما يحدث في بنما يعد جزءًا من ديناميكيات إقليمية تُستخدم لإعادة توجيه الاهتمام عن تحولات كبرى تحدث في واشنطن، حيث تبرز علامات إعادة هيكلة مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة تحت قيادة ماسك وشبكة المصالح التي يديرها في مجالات التكنولوجيا والفضاء والطاقة والذكاء الاصطناعي.

فبينما تنشغل وسائل الإعلام بتغطية مشاهد الاحتجاجات وتصاعد التوترات، تتوارى خلف الستار تحركات غير مسبوقة لإعادة صياغة دور الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة، وسط تصاعد نفوذ الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، الذين يسعون إلى تقويض الدور التقليدي للمؤسسات الحكومية لصالح نموذج اقتصادي-سياسي جديد قائم على حكم الأوليغارشية التكنولوجية.

في موازاة ذلك، تمثل غرينلاند مشهدًا آخر من مشاهد الإلهاء الاستراتيجي، حيث يتم تسليط الضوء على تسارع ذوبان الجليد وارتفاع منسوب سطح البحر، في حين يتم التغاضي عن الأبعاد الجيوسياسية العميقة لهذه الأزمة.

عقل ذكر أن غرينلاند أصبحت محط أنظار القوى العظمى بسبب ثرواتها المعدنية الهائلة، التي تتجاوز في أهميتها الحدود البيئية لتتحول إلى نقطة ارتكاز في إعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية العالمي، مضيفًا أن ما يثير التساؤل هو أن التغطية الإعلامية المكثفة لظاهرة ذوبان الجليد تتزامن مع تغيرات جذرية في واشنطن، حيث تتسارع تحركات ماسك والنخب الاقتصادية نحو إعادة رسم ملامح السلطة الاقتصادية في الولايات المتحدة، عبر تقويض دور الدولة الفيدرالية لصالح نموذج جديد من "حكم الشركات".

وفي الوقت الذي ينشغل فيه الإعلام العالمي بتصعيدات غزة، واحتجاجات بنما، وتحولات المناخ في غرينلاند، تدور في واشنطن معركة حقيقية على السلطة، تتجاوز الأطر السياسية التقليدية إلى صراع أعمق على إعادة هيكلة الدولة نفسها.

ونوّه عقل إلى أن هناك تزايدًا ملحوظًا في المؤشرات التي تدل على أن القوى الاقتصادية التكنولوجية، بقيادة شخصيات مثل إيلون ماسك، باتت تعمل بآليات غير تقليدية لإضعاف دور الدولة، عبر تفكيك المؤسسات الفيدرالية أو تقليص صلاحياتها، ومنح الشركات الكبرى نفوذًا غير مسبوق في رسم السياسات العامة.
فعلى سبيل المثال، تزامن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مع صعود ماسك كفاعل مؤثر في القرارات السيادية، ما يطرح تساؤلات حول الدور الذي تلعبه النخب التكنولوجية في إعادة تعريف حدود السلطة التنفيذية، والتحكم في السياسات الخارجية والاقتصادية من خارج المؤسسات التقليدية.

ولفت عقل الانتباه إلى أن ترامب، رغم تصدّره المشهد الإعلامي، قد يكون مجرد أداة أخرى لصرف الانتباه عن التحولات الأعمق التي تجري في واشنطن، فتكرار تصريحاته النارية، وتضخيم حضوره الإعلامي، قد يكون جزءًا من لعبة معقدة تهدف إلى خلق حالة من التشويش، بينما تستمر تحركات "حكومة الظل" في إعادة هندسة السلطة.

واختتم عقل حديثه بالتساؤل حول ما إذا كنا نشهد بالفعل تفكيكًا تدريجيًا لمؤسسات الدولة الأمريكية على يد نخب اقتصادية غير منتخبة، في ظل انشغال العالم بأزمات مفتعلة أو مضخّمة إعلاميًا؟ أم أن الأمر مجرد إعادة تموضع للسلطة وفق قواعد جديدة تتناسب مع طبيعة العصر الرقمي وهيمنة التكنولوجيا على كافة مفاصل الحياة؟