كلام ثقيل من الروابدة حول الأردن والمنطقة
قال رئيس وزراء الأردن الأسبق عبد الرؤوف الروابدة إن الأردن ولأول مرة في التاريخ السياسي الحديث، يجد نفسه أمام مشهد استثنائي يتمثل في حصوله على صك براءة، وهو أمر لم يتحقق منذ عام 1920.
وأوضح أن الأردن عانى على مدار العقود الماضية من اتهامات متكررة وتشكيك مستمر في مواقفه الإقليمية، ورغم التحديات والضغوط، فإنه ظل راسخًا في موقفه الوطني، متجاوزًا كل الإشكاليات التي حاول البعض إلصاقها به، واليوم، يجد الأردنيون أنفسهم أمام شهادة إثبات تؤكد أنهم ليسوا طرفًا في مشاريع تستهدف الأمن القومي العربي، وإنما في طليعة المدافعين عنه.
وبيّن الروابدة أن هذا الإنجاز يستوجب منّا التوقف عند عدة نقاط جوهرية؛ أولها أن هذا الوطن، رغم ما يعانيه من تحديات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، يظل عنوانًا للوحدة الوطنية التي تتجاوز الانقسامات العرقية، والدينية، والجغرافية، فالخلافات الداخلية مشروعة، بل ومطلوبة أحيانًا لتطوير المشهد السياسي، لكن الثابت الذي لا يقبل التغيير هو أن الأردن كيان سيادي مستقل لا يمكن المساس به أو التشكيك في ولائه لقضاياه المركزية.
ونوّه إلى أننا اليوم أمام عدو يتجاوز بأهدافه مفهوم الاحتلال العسكري إلى ما هو أخطر؛ وهو إعادة تشكيل المنطقة وفق هندسة جيوسياسية تتناسب مع مصالحه التوسعية، وهذا العدو لا يسعى فقط إلى السيطرة على الأرض فقط، بقدر ما يرغب في إعادة تعريف الهوية الوطنية للشعوب، وتفكيك مكوناتها الأساسية، وتجريدها من عناصر القوة، ومن هنا، يصبح لزامًا علينا إعادة النظر في الأدوات التي نستخدمها لمواجهة هذا الخطر، ليس فقط على المستوى العسكري، وإنما على صعيد بناء استراتيجية وطنية تحصّن القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أي اختراقات.
وأشار الروابدة إلى أن المفارقة تكمن في أن المشهد السياسي الأردني اليوم يعاني من حالة من الركود غير المبرر؛ حيث نشهد صمتًا سياسيًا مطبقًا، وغيابًا واضحًا لمبادرات جدية قادرة على توجيه بوصلة النقاش العام نحو قضايا مصيرية، مضيفًا أن الحاجة باتت ملحّة لتأسيس كيانات سياسية جديدة تتجاوز الشكل التقليدي للأحزاب، وتنطلق نحو آليات أكثر ديناميكية، مثل الجمعيات، والتجمعات الفكرية، والنوادي السياسية، التي يمكن أن تخلق مساحة حرة للنقاش والتخطيط الاستراتيجي، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والاعتبارات الشخصية.
وأكد عدم إمكانية تجاهل أن هناك استحقاقات سياسية كبرى تلوح في الأفق، تتطلب منّا أن نكون أكثر يقظة وجرأة في الطرح، فالولايات المتحدة، منذ أكثر من عقد، تلمّح بشكل متكرر إلى إعادة ترتيب المنطقة على أسس جديدة، تتضمن إعادة تعريف الحدود والسيادة الوطنية للدول، وهو أمر تجلّى بوضوح في تصريحات المسؤولين الأمريكيين، بدءًا من عام 2011 وحتى اليوم، وهذه الطروحات، التي تبدو في ظاهرها مجرد تحليلات نظرية، تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة حول مستقبل الأردن والمنطقة برمتها.
وهنا، يبرز السؤال المحوري: هل نحن أمام مخطط واضح المعالم لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في المنطقة؟ أم أننا لا نزال نعيش في حالة ضبابية تجعلنا غير قادرين على استقراء المستقبل بشكل دقيق؟... وفقًا للروابدة الذي استطرد قائلًا إن قراءة المشهد من زاوية التاريخ السياسي للصراع في المنطقة تؤكد أن أي سيناريو يستهدف الأردن جزء من مشروع أكبر لطالما تم التمهيد له عبر مراحل متتابعة، سواء من خلال الضغط السياسي، أو التأثير الاقتصادي، أو حتى إثارة الأزمات الاجتماعية لخلق بيئة قابلة للانفجار الداخلي.
ذكر أنه يجدر بنا تجاوز مرحلة التحليل السطحي للأحداث، وأن ننتقل إلى مستوى أكثر عمقًا من الفهم، بحيث يكون خطابنا السياسي والإعلامي قائمًا على استراتيجيات استباقية، لا على ردود الفعل، فالمعركة اليوم هي معركة وعي وإدراك، تفرض علينا أن نكون أكثر جرأة في قراءة المشهد، وأكثر احترافية في التعامل معه.
ونوّه الروابدة إلى أن منطقتنا تعيش حالة تأزم مزمن، تمتد جذورها إلى عقود من الإخفاقات المتراكمة، وإذا كان البعض يرى أن هذه الأزمة تقتصر على بقعة جغرافية بعينها، فإن النظرة الأوسع تكشف أن التصدعات السياسية والاقتصادية تتجاوز الإطار الإقليمي، وتمتد إلى منظومة النظام الدولي برمّتها، غير أن ما يهمنا هنا هو انعكاسات هذه الأزمة على العالم العربي، الذي يشهد منذ سنوات انهيارًا ممنهجًا للنظام الإقليمي الذي كان يشكل مظلة للدول القطرية، ويمنحها هامشًا من المناورة في علاقاتها الدولية.
وأشار إلى أن تفكك هذا النظام جعل الدول العربية تبحث عن مظلات حماية بديلة، سواء عبر الارتهان للولايات المتحدة، أو التقارب مع روسيا والصين، أو محاولة استثمار النفوذ الإقليمي لدول كتركيا وإيران، وهذا التحول يفرض علينا مواجهة حقيقة أساسية، وهي أن الحديث عن "سيادة وطنية مطلقة" أصبح، في كثير من الحالات، أقرب إلى خطاب إنشائي منه إلى واقع سياسي ملموس.