ترانسفير مغلف بالإغراء.. 10 نقاط حول أخطر تطهير بالتاريخ الحديث

 

قال الخبير العسكري محمد المغاربة، إنه لم يعد ما كان يُخطط خلف الأبواب المغلقة مجرد احتمالاتٍ واردة أو سيناريوهاتٍ تخضع لميزان التحليل السياسي، فقد أضحى واقعًا جليًا يتكشف رويدًا رويدًا عبر سلسلةٍ من الإعلانات والإجراءات الميدانية المتسارعة، التي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنّ تصفية القضية الفلسطينية تجاوزت مسألة الطموحٍ الإسرائيلي، وتحولت إلى مشروعٍ دولي وإقليمي يُعيد رسم المشهد وفق رؤيةٍ تتجاوز مفهوم "الحل النهائي" التقليدي إلى تأسيس واقعٍ جديد، يُفرغ القضية الفلسطينية من جوهرها السياسي والتاريخي، ويعيد تشكيلها وفق محدداتٍ عمرانية، واقتصادية، وديموغرافية مُغايرة كليًا.

وأوضح المغاربة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن بنيامين نتنياهو خرج في مشهدٍ غير مسبوقٍ من حيث الدلالة والخطورة، خلال مؤتمرٍ صحفيٍ هو الأخطر على الإطلاق منذ نشأة الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، إذ إنه كان بمثابة إعلانٍ استراتيجيّ استُكمل بأدق تفاصيله، بدءًا من المسرح المُشيد بتقنياتٍ متطورة، مرورًا بالخرائط الإلكترونية المشغولة مسبقًا، وليس انتهاءً بالصياغات اللفظية التي حُبكت بعناية فائقة، لتعكس جوهر المشروع دون أن تترك ثغراتٍ في التأويل أو احتمالاتٍ للتراجع التكتيكي.

لقد أعاد نتنياهو – وبوثائق مكتوبة ودون أي التباس – التأكيد على عقيدة إسرائيل الوجودية، التي لم تتغير منذ انطلاقتها الأولى، بل إنها بلغت الآن ذروتها الحاسمة، حيث لم يعد هناك أي مجالٍ للحديث عن "حل الدولتين"، أو عن كيانٍ فلسطيني مستقل، أو حتى عن مساحةٍ من الأرض قابلة للتفاوض، فالمعادلة بالنسبة لإسرائيل قد حُسمت: فلسطين التاريخية كلّها هي دولة إسرائيل، وما سُيقتطع منها – وفق الهوى الإسرائيلي – ليس أكثر من شريطٍ ساحلي يُعاد هندسته ليكون الكيان الفلسطيني الوحيد المعترف به، لا كدولة، بل كمشروعٍ اقتصادي/سكاني يُفرغ القضية من أبعادها السياسية والدينية والتاريخية، وفقًا لما صرّح به المغاربة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

الخرائط تتحدث

ونوّه إلى أن الخارطة الضخمة التي عُرضت في المؤتمر كانت مفتاحًا لفهم التحولات الجذرية التي تُطبخ على نارٍ هادئة، حيث حملت في ثناياها رسائل استراتيجية فائقة الخطورة:

أولا: غابت الضفة الغربية بالكامل عن الخارطة، وكأنها لم تكن موجودة يومًا ككيانٍ جغرافي، ما يعكس قرارًا نهائيًا بإلغائها فعليًا من معادلة المستقبل، سواء عبر التهجير أو إعادة توزيع السكان أو تفكيك أي كيانٍ سياسي فيها.

ثانيا: احتوت الخارطة على أسماء جميع الدول العربية، باستثناء لبنان، وهو أمرٌ بالغ الدلالة، يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول الدور المُراد للبنان في المرحلة القادمة، وما إذا كانت تل أبيب قد رسمت له مصيرًا مختلفًا عن باقي دول الجوار العربي.

ثالثا: أُبرز قطاع غزة كشريطٍ ساحلي وحيد للفلسطينيين، ما يؤكد أن هذا هو الفضاء الجغرافي الذي ستتم إعادة هندسته ليكون "الوطن الفلسطيني النهائي"، وفق رؤيةٍ استثمارية عمرانية تُفرغ القضية من محتواها النضالي، وتُعيد صياغتها ضمن مشروعٍ اقتصادي، وسياحي ضخم.

التفريغ الديموغرافي غربا

هنا تتجلى المعضلة الكبرى، حيث لم يعد التهجير القسري هو النموذج الوحيد المستخدم، وإنما تطور إلى مفهومٍ أكثر دهاءً وخبثًا، يمكن تسميته بـ"الترانسفير الإغرائي"، وهو عملية إعادة توزيع السكان الفلسطينيين عبر منظومةٍ من المحفزات الاقتصادية والاجتماعية، التي تجعل خيار الهجرة إلى القطاع الجديد خيارًا "طوعيًا" ظاهريًا، لكنه قسريٌ في جوهره، وفق المغاربة.

واستطرد المغاربة قائلًا إن هذا المخطط يقوم على صناعة واقعٍ اقتصادي واجتماعي مُغرٍ، من خلال تحويل غزة إلى "هونغ كونغ الشرق الأوسط"، وهي رؤية بدأت تتضح ملامحها عبر سلسلةٍ من المشاريع التي يُروج لها بوصفها بوابة الازدهار الفلسطيني، لكنها في حقيقتها ليست سوى أداةٍ لإعادة تشكيل الديموغرافيا بما يخدم الرؤية الإسرائيلية، حيث سيتم تحويل القطاع إلى فضاءٍ حضري متكامل، يضاهي من حيث الرفاهية والعمران المدن الخليجية، لكنه في جوهره سيكون سجنًا فاخرًا محاطًا بالحدود الإسرائيلية من كل الجهات، دون أي تماسٍ مباشر مع مصر، ودون أي فرصةٍ لامتداد المقاومة أو استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية.

وهنا تتضح معالم الشق الثاني من المشروع، حيث سيتم "استيعاب" اللاجئين الفلسطينيين ضمن هذا الكيان الجديد، سواء من الضفة الغربية أو من دول اللجوء، ليتم بذلك تفريغ المخيمات في الخارج، وإنهاء قضية اللاجئين نهائيًا، عبر إحلالهم في هذا "الوطن الاقتصادي" الذي صُمم ليكون بديلًا عن الدولة المستقلة.

الهندسة الجيوسياسية للخلاص من فلسطين

وذكر المغاربة أنه عند تفكيك أبعاد المؤتمر، تظهر جملةٌ من الحقائق المرعبة، التي جاءت نتيجة سلسلةٍ طويلة من الاجتماعات واللقاءات السرية بين تل أبيب وواشنطن وعواصم عربية، والغاية النهائية كانت واضحة:
•    إنهاء القضية الفلسطينية كملفٍ سياسي، وتحويلها إلى مشروعٍ اقتصادي/عمراني محصور في غزة.
•    تفريغ الضفة الغربية من الفلسطينيين، وتحويلها إلى مجالٍ حيوي إسرائيلي خالص.
•    إلغاء أي إمكانيةٍ لعودة اللاجئين، عبر إعادة توطينهم في "الإمارة الفلسطينية" الجديدة.
•    تحويل القدس إلى منطقةٍ دولية، تحت إشرافٍ دولي، بما يُنهي أي مطالب فلسطينية فيها.
•    إعادة تعريف القضية الفلسطينية بوصفها قضية "تطوير اقتصادي"، وليس قضية تحرر وطني.

ما لم يُدركه نتنياهو وحلفاؤه

وتابع المغاربة أنه في الوقت الذي تُدفع فيه هذه الرؤية إلى واجهة المشهد، فإن المتغير الأخطر الذي لم تُدركه إسرائيل، ولم يستوعبه المخططون الدوليون، هو أن هذا المشروع، رغم هندسته المحكمة، يتجاهل الحقائق الصلبة على الأرض، وأبرزها أن هذا الشرق الذي تسعى إسرائيل إلى تحييده، لا يزال نابضًا بعوامل تفجيرٍ غير محسوبة، تجعل هذا السيناريو، مهما بلغ من الإتقان، معرضًا للانهيار عند أول اختبارٍ جدي.

وأكد أن فلسطين، وإن ظن البعض أنها تقزمت إلى شريطٍ ساحلي، فإنها في الوعي الجمعي العربي والإسلامي لم تغادر بعد موقعها في القلب، وأي محاولةٍ لابتلاعها تحت غطاء الاستثمار والحداثة، ستظل مشروعًا هشًا، محكومًا بالفشل عند أول اختبارٍ حقيقي للإرادة الشعبية في المنطقة.