جرار يكتب: المقاطعة بين التأزيم والتطبيع
بشار جرار
درءًا للمخاطر -ومنها المفاسد-، وجلبا للمنافع -ومنها المصالح-، أسارع للتحديد بأن المعني في هذا المقام هو المواطن -دافع الضرائب- الأمريكي والكندي والمكسيكي فقط لا غير، لا الصيني ولا الأوروبي، فلكل حديث آخر.
منذ تلويح الرئيس دونالد ترامب بفرض تصاعدي للتعرفات الجمركية، شاهرا سيف قطع المساعدات وفرض العقوبات بأنواعها، توالت ردود الفعل المنددة -في نبرة استرضاء أكثر منها تحديا- من الجارتين كندا والمكسيك، وداخليا عبر الحزبين الديموقراطي والجمهوري، بمن فيهم داعمو أجندة «أمريكا أولا».
من الطبيعي أن يكون للتأزيم نتائجه قصيرة وبعيدة المدى. من البديهي أن يتم على ضوء ذلك السعي إلى تطبيع ما أفسده التأزيم من علاقات يفترض أن تقوم على المصالح لا المبادئ وحدها، فخدمة المصالح العليا للأوطان والمجتمعات والأسر هي في حد ذاتها مبدأ لا بل وواجب وحقّ غير قابل للتصرف!
مهما قست كتب التاريخ والأكاديميا والصحافة على رؤيتها للواقع، لن تكون أقوى من الجغرافيا. قد تكون بريطانيا أقرب مثلا لمستعمرتها السابقة أمريكا، وصحيح أن أمريكا قبل الاستقلال وبعده، شهدت علاقات دامية سياسيا واقتصاديا مع الجار الجنوبي، إلا أن تشارك الدول الثلاث بالقارة الأمريكية وحدود مشتركة لا تفصل بينها حواجز طبيعية كالمحيطين الأطلسي والهادئ، أو سلاسل جبال في وعورة جبال أفغانستان فرضت على التجار ومن قبلهم السياسيين والجيش والأمن ضرورة التذكر دائما أن مرد الأمور حتى لو اندلعت لا قدر الله حرب حقيقية بالمعنى التقليدي «الناري»، فإنها ستؤول إلى معاهدات صلح أو سلام سيعمل من أوقدوا حرب المقاطعة السلعية على إطفائها لتطبيع الأمور حتى تستقر الأسعار وتنخفض إن أمكن إلى ما سبق حرب التعرفات الجمركية.
ولأن الإنسان إنسان حتى وإن تفاوت دخله الفردي والقومي في أي مكان بقريتنا العالمية الصغيرة، ثمة من يعمل عمل النافخ في الكير وثمة فريق ينأى بنفسه عن حرب التصريحات والحوارات التلفزيونية الصاخبة النارية من عيار «حارق خارق متفجر!»، ويلوذ بمنصات «التواصل» الاجتماعي فيتندّر على المقاطعة التي دعا إليها مسؤولون وناشطون «مؤثرون» في البلدان الثلاثة. خرجت من بلاد العم سام فيديوهات لطيفة تسخر من دعوات المقاطعة والمقاطعة المضادة. القضية ليس أن تأكل مثلا رقائق بطاطا أمريكية أو كندية أو مكسيكية «حرّاقة» بشطّة! القضية الحقيقية هي أن نقاطعها جميعا ما لم تكن عملية القلي بزيت الزيتون أو الأفوكادو لا الزيوت النباتية أو الدهون المهدرجة، والأفضل أن تكون مطهوة بالفرن لا قليا.