النعيمي يكتب: شباط اللباط بأحداثه الإقليمية
خلدون ذيب النعيمي
أعتاد موروثنا الشعبي أن يصف شهر شباط بعدم الانسجام بأجوائه وعدم الثقة بها فكانت وصية العارفين به ان سافر بشتوة كانون ولا تمشي بشمسة شباط التي لم تسلم ايضاً من وسمها بالضرر للجسم نظراً لمفاجأتها للأجواء الباردة السائدة، فكانت مقولة العمة العجوز بأن شمسة شباط لكنتها وشمسة آذار الأقل ضرراً لابنتها فيما شمسة نيسان المحببة لشيبتها، ورغم قصره مقارنة بالأشهر الاخرى فقد وصف باللباط بمعنى الذي يركل بعنف بأجوائه واحداثه الفجائية التي ارتبطت فيه بالمواسم الزراعية والشعبية.
شباط هذا العام يأتي اقليمياً بعد حرب شرسه استمرت 15 شهراً خلفت اكثر من 50 الف شهيد و100 الف مصاب فضلاً عن الدمار الشامل الذي لحق بقطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي، ويبدو ان وقف اطلاق النار تزامن معه اشتعال جبهات بصيغ ليست بالضرورة بضراوة حرب الإبادة على غزة، فالضفة الغربية التي بقيت بها فيها الاوضاع اكثر هدوءً من غزة هي الجبهة المشتعلة في فلسطين بفعل الاقتحامات الاسرائيلية وفي ظل تعزز الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي «يضع العقل بالكف» بحيثياته في هذا الوقت المصيري، ففي اللحظة التي توقع فيه الجميع ان يتكاتف الاخوة مع الآم غزة فضلاً عن تعزيز الإفادة من الخسارة الاستراتيجية الاسرائيلية على كافة الاصعدة الاقليمية والعالمية كانت لغة التخوين والعمالة هي اللغة السائدة بينهم.
وصاحب ذلك كله اقليمياً الطرح التهجيري للإدارة الاميركية الجديدة في سياق محاولتها لحفظ ماء وجه حليفتها اسرائيل بعد فشلها المتعدد الاركان في غزة، وهو الطرح الذي رفضته دول الاقليم فضلاً عن اهل غزة في سيلهم البشري المبارك لمناطقهم رغم الدمار الكبير ويشير بقوة ان هذا الطرح سيلقى مصير سابقته «صفقة القرن» سيئة الذكر في طي النسيان، وإقليميا أيضاً كانت بداية الاستقرار في الحالة السورية مع تسمية رئيس انتقالي للدولة، وهنا لا يخفى ان المصالح المختلفة للجميع باستقرار هذا البلد ضمن هدف الاستقرار الاقليمي في فترة ما بعد عدوان غزة ساهمت بقوة في تقبل التغيير فيه رغم ملاحظات البعد لتي اختلطت فيها الأحكام الاستباقية عن تجارب سابقة بتغليب لغة المصالح المُحصلة والمأمولة.
وعالمياً تشي طروحات ترامب الاقتصادية مع حلفائه الكنديين والاوربيين فضلاً عن الصينيين ان هناك ما يشغل ترامب اكثر من مجرد مواضيع شغلت الادارة السابقة سواء الاوضاع في الشرق الاوسط او الحرب في اوكرانيا، وهو ما سيبعث الارتياح لروسيا بعد خسارتها الاستراتيجية المؤلمة في سوريا وقد ينعكس ايضاً على علاقاتها مع ايران ضمن لغة تبادل الأولويات والملفات الدارجة حالياً بين القوى الكبرى.
يا ترى هل سيشهد شباط الحالي جواباً ورداً شافياً على كل الملفات السابقة أم انه سيضطر بسبب قصره و»تقصيره بالحسم» لطلب التمديد من اذار الذي يليه تماشياً مع المقولة الشعبية لإعادة الاعتبار لنفسه، كل ذلك سيجيب عليه القادم من الايام وان غداً لناظره لقريب.