ارجوب يكتب: التنافس العالمي في الذكاء الاصطناعي: من يملك المستقبل؟
م.احمد زهير ارجوب
عندما صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن خطر الذكاء الاصطناعي يفوق خطر الحرب النووية، لم يكن ذلك مجرد تحذير عابر، بل إشارة إلى تحول جذري في طبيعة القوى العالمية. فالخوارزميات الذكية ليست مجرد أدوات مساعدة، بل باتت عاملاً حاسماً في موازين القوى الاقتصادية والعسكرية، قادرة على إحداث تأثيرات غير مسبوقة، سواء من خلال تعزيز التنمية أو تعميق المخاطر الأمنية والتحديات الأخلاقية.
لقد شهدنا في السنوات الأخيرة قفزات هائلة في الذكاء الاصطناعي، انعكست إيجابياً على تحسين جودة الحياة، من خلال تطوير الأنظمة الطبية، وتحسين كفاءة العمليات الصناعية، وتسهيل التجارة، وتعزيز قدرات الإدارة الحديثة. فالتكنولوجيا لم تعد مجرد ترف، بل أصبحت ركيزة أساسية في رسم ملامح المستقبل، تسهم في زيادة الإنتاجية، وتقليل التكاليف، وفتح آفاق جديدة غير مسبوقة. إلا أن هذه الطفرة التقنية ترافقت مع تحديات كبيرة، فكما أن للذكاء الاصطناعي فوائد، فإن له أيضاً مخاطر حقيقية، سواء في مجال الأمن السيبراني، أو التحكم في المعلومات، أو التأثير على سوق العمل، حيث تتزايد المخاوف من استبدال البشر بالآلات الذكية، واحتكار الشركات الكبرى للتكنولوجيا، مما يعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية والسياسية.
اليوم، يخوض العالم سباقاً محموماً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تدرك القوى العظمى أن من يمتلك هذه التقنيات، يمتلك القوة. فالتنافس في تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز قدرات الحوسبة الفائقة، وتحسين أنظمة الاتصال السريعة، لم يعد مجرد تطور تقني، بل بات عاملاً رئيسياً في تحديد النفوذ الجيوسياسي. الولايات المتحدة تستثمر مليارات الدولارات في أبحاث الذكاء الاصطناعي، معتمدة على تفوق شركاتها التكنولوجية الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون. وتضع استراتيجية متكاملة لجذب العقول المبدعة وتطوير حلول تعتمد على البيانات الضخمة والحوسبة السحابية.
أما الصين، التي تخوض سباقاً محموماً مع الولايات المتحدة، فتعمل على بناء نظام متكامل يعتمد على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بدءاً من الأمن القومي إلى الاقتصاد الرقمي. وقد وضعت خططاً طموحة لتكون الرائدة عالمياً في هذا المجال بحلول عام 2030، مستفيدة من قاعدة بيانات ضخمة وسياسات داعمة للشركات الناشئة والعملاقة على حد سواء. الاتحاد الأوروبي، رغم تأخره نسبياً، يحاول ترسيخ موقعه في المنافسة عبر التركيز على وضع قوانين أخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي،
مع تعزيز قدراته في مجالات مثل الأبحاث الطبية والتحليل المالي. أما الدول النامية، فهي تجد نفسها أمام خيارين: إما الاستثمار في بناء منظومات ذكاء اصطناعي محلية لضمان سيادتها الرقمية، أو الاعتماد على القوى الكبرى، مما يجعلها عرضة للاعتماد التكنولوجي والتبعية الرقمية.
المستفيد الأكبر من هذا التنافس هو الدول والشركات التي تمتلك القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي واستغلاله بطرق مبتكرة. فالتكنولوجيا أصبحت أداة للتفوق الاقتصادي والعسكري، والشركات التي تسيطر على البيانات والخوارزميات هي التي ستقود المستقبل. لكن الدول التي تستثمر في رأس المال البشري، وتمكن شبابها من اكتساب مهارات الذكاء الاصطناعي، يمكنها أن تدخل هذا السباق بقوة. فالتميز لا يقتصر فقط على امتلاك التكنولوجيا، بل في القدرة على توظيفها بطرق مبتكرة.
العالم يتغير بسرعة غير مسبوقة، ومن يمتلك أدوات المستقبل هو من سيحدد معالمه. لا يكفي أن نكون مستهلكين للتكنولوجيا، بل يجب أن نكون مساهمين فاعلين في صناعتها. لدينا العقول المتميزة، والقدرة على الإبداع، وما نحتاجه هو رؤية استراتيجية واضحة تتيح لنا أن نكون جزءاً من المنافسة، لا مجرد متابعين لها. في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو لغة المستقبل، ومن لا يتحدثها اليوم، سيجد نفسه خارج معادلة القوة غداً.