ابو دلو يكتب: الأردن الكبيـــر
د. عبدالكريم محسن ابو دلو
انتهت حرب الشرسة الظالمة، التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، مخلفة ورائها كارثة إنسانية ودمار كبير، لم يـُشهد مثيل له في العصر الحديث.
ورغم ما تملكه إسرائيل وحلفائها من أسلحة وقوة وأدوات، إلا أن وجه الخير والعدالة، استطاع أن يصمد، وبقي الإنسان المظلوم في غزة، منتشيا بروح معنوية وإرادة صلبة، تتجذر في عمق أرضه، ولا تزعزعها رياح الطغيان.
هي هكذا، المعارك بين الشر والخير، بين الظلم والعدل، بين المحتل وصاحب الأرض، فإن امتلك الطرف الأول مقومات القوة والتفوق العسكري وحاز بعض الإنجازات، مرحليا، لكن المعركة تبقى مستمرة، ويظل صاحب الأرض، متمترسا بأسلحة وأدوات غير تقليدية، تعتبر بالمحصلة هي أسباب انتصاره وصموده. فجولة الظلم المؤقتة، تجابهها دولة الحق الدائمة. ويكون المعيار الإلهي هو الحكم للفصل بين ذلك (إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ).
هناك بعض الدول والمؤسسات وحتى الأفراد، زاغ بصرهم عن الحق والحقيقة، ووقفوا في هذه الحرب الوحشية بصف قوي الإجرام. وسيبقى التاريخ، يلفظهم، ويذكرهم، في صفحاته السوداء، لاخلالهم بميزان العدالة، ولن تغفر لهم مستقبلا أي مواقف أو أفعال، إذ فقدوا كثيرا من مكانتهم ومصداقيتهم أمام شعوب العالم الحرة والضمير الإنساني العادل.
أما الأردن، كعادته تاريخيا، وقف موقفا صلبا مع عدالة القضية الفلسطينية، وناصر أهلها، منذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الغاشم على غزة، استمرارا للاستراتيجية الأردنية، بمناصرة فلسطين وأهلها الشرفاء، باعتبار هذه القضية أولوية من أولوياته، ترتبط بشكل وثيق مع قضايا الأردن وملفاته الأساسية.
ويكرس هذا الموقف، السيرة العطرة، للدولة الأردنية، التي تنتهج سياسة حكيمة، تتفق مع المبادئ والقيم التي قام عليها مشروع الدولة؛ المؤسس على الفكر الهاشمي الحصيف. وأبرز مبادئ هذه السياسة الوقوف مع المظلومين وأصحاب الحقوق بعدالة، فكيف إذا تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، التي تعد قضية أردنية مركزية، عنونها جلالة الملك بجملته الشهيرة العميقة «ستبقى بوصلتنا فلسطين، وتاجها القدس».
وقف الأردن: قيادة وحكومة وشعبا، موقفا مشرفا لم يتغير أو يتزحزح، عن نصره الأهل في غزة، ومتقدما على جميع مواقف الدول الأخرى، وقدم لهم كل امكانياته؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبكل المجالات والمحافل، رغم ما يعانيه من ظروف صعبه تحيط به، ولكن إرادة الدولة وعقيدتها الراسخة أكبر من أي تحديات.
وإن كانت المطالبات الأمريكية، باستقبال الأردن مجموعة من الفلسطينيين المخطط تهجيرهَم من قطاع غزة، تشكل تحديا كبيرا على الدولة، وما قد يتعرض له من ضغوط للاستجابة الى هذه المطالبات، ولكن تأسيسا على البناء القيمي، الذي أعتلته الدولة الأردنية، تصطدم هذه المطالبات من ناحية أعمق، بغزارة، مع صلابة النهج الأردني وموقفه المبدئي، وستكون الإجابة الرافضة لهذه المطالب متسيدة على أي ضغوطات. فعندما يتعلق الأمر بمصلحة الدولة الأردنية ومشروعها الوجودي، يقف الأردنيون صفا متينا إلى جانب قيادتهم الحكيمة، حفاظا على الأردن ومصالحـه ورفض أي مشروع أو مخطط يتعارض مع ذلك.
وسيبقى الأردن، بقيادة جلالة الملك، أصيلا، متمسكا بمبادئه وقيمه وعقيدته، حكيما بإدارة ملفاته وسياساته وعلاقاته الدولية، يواجه أي أزمة بحكمة واقتدار، وفق مقتضيات المصلحة العليا للدولة. وعليــه، إن كان هناك من يريد أن يفرض على الأردن أن يصبح «أردنا جديدا»، فإن الأردن بقيادته وشعبه، سيظل «أردنا كبيرا» بعــون الله.