غنيمات يكتب: 4 سنوات عجاف..
طلال غنيمات
بمكر وسخافة وسطحية يظهر محلل يمثل دولة الاحتلال ليصف دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بترحيل وتهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأردن وفلسطين بأنها استضافة لمدة مؤقتة ليست تهجيرًا، هذا المكر الإسرائيلي ليس بجديد وهذه السياسة وهذا التسويف مسألة اعتدنا عليها، فمن قال إن فلسطينيًا هاجرَ من وطنه وترك أرضه بات ممكنًا أو جائزًا أو متوقعًا أن يعود إليها.
ما نطق به المحلل الصهيونى، تسخيفٌ وتسطيحٌ لأمر جلل وخطير وأيضًا تورية لمشروع ترامب التي يسعى إلى تحقيق المشروع اليميني الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية وإفراغها من أهم عامل يبقي على ديمومتها، وهو تمسك الفلسطينيين بأرضهم وصمودهم.
ما أعلنه ترامب أمر جلل وخطير وعلينا أن نتوقع الكثير خلال السنوات الأربع المقبلة لإدارة ترامب، لأنها ستكون سنوات عجاف فيها الكثير من التحديات والمخاطر والعروض التي تمس الأردن ومصيره ووجوده، فيأتي الأمر كيف سيكون التعامل مع هذه الرؤية الترامبية التي تعتقد بضرورة حل أزمة وقضايا إسرائيل على حساب الفلسطينيين أولًا، وعلى حساب الأردن ومصر ثانيًا وعلى حساب المنطقة بأكملها.
أردنيًا، الأمر واضح، فلاءات الملك الثلاث التي قالها خلال فترة إدارة ترامب الأولى والتي كانت تقتضي بأنه لا للتهجير لا لتهويد القدس ولا للوطن البديل، هذه لاءات عبّرت وستبقى تعبر عن الموقف الرسمي الأردني وعن قناعات جلالة الملك الشخصية بأن هذه اللاءات الثلاثة هي التي تمثل الموقف الأردني الراسخ الثابت الواضح المعلل أيضا، لأن الأردن يدرك أن هكذا خطوات بالضرورة ستضر بالأردن ستؤثر باستقراره الاجتماعي ستؤثر وجودياً على الأردن ودوره.
هناك من يقول إن الضغوطات لا يمكن مجابهتها وإن "إدارة ترامب المجنونة"، ستستخدم كل ما هو ممكن من أدوات حتى تضغط على الأردن لتحقيق مخططات ورؤى اليمين الإسرائيلي والرؤية الترامبية التي ترى بحق إسرائيل بتوسيع مساحتها، وأن تستولي على كامل الأرض الفلسطينية.
ونعلم أيضًا أن هناك أدوات ضغط أمريكية تحديدًا ما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية التي تقدمها أمريكا للمملكة منذ عقود طويلة، وأنه سيتم استخدامها للضغط على الأردن، لكن من قال إن هذه أول مرة يتعرض فيها الأردن لضغوط؟.. هذه المسألة اعتاد عليها الأردن منذ أيام المغفور له الملك حسين رحمه الله منذ سبعينيات القرن الماضي، وعقب ذلك، وذات الأمر في عهد الملك عبد الله حينما قدمت إدارة ترامب في مرحلتها الأولى صفقة القرن، فكان الأردن الدولة التي أفشلت هذه الصفقة، والتي حالت دون تنفيذها.
اليوم لدينا اختبار جديد ومرحلة جديدة وضغوطات جديدة وابتزاز جديد من قبل الإدارة الأمريكية التي لن توفر أداة من أدواتها الممكنة الدولية والإقليمية والاقتصادية والثقافية وغيرها لتحقق هذا الهدف، لكن ذلك لا يعني أبدًا الاستسلام لكل ما ستقدمه الإدارة الأميركية.
كيف نتعامل مع ما هو آتٍ؟
أولًا لدى جلالة الملك رؤية واضحة ولاءات ثلاثة واضحة حددت وعرفت المصلحة الأردنية العليا، وهذه اللاءات فعلا ستصون الأردن كما أنها ستصون المشروع الفلسطيني وتبقيه حيًا حتى يتحصل إخوتنا في فلسطين على حقوقهم الدائمة بدولتهم الدائمة القابلة للحياة وفقا للشرعية الدولية.
إذًا، رسميًا الملك والدبلوماسية الأردنية، وصانع القرار في الأردن موقفه واضح ومعروف بأنه يرفض كل المقترحات التي لا تصب في صالح الفلسطينيين أولا وتضر بالأردن ضررًا كبيرًا ثانيًا، ولدى الدولة أدوات دبلوماسية، وعلاقات ستستخدمها بالضرورة.
لكن هناك عامل آخر مهم في مجابهة ومواجهة هذه المشاريع وهي الجبهة الداخلية، مطلوب منا اليوم كجبهة داخلية تضم الأردنيين جميعًا، وكل من يقيم على الأرض الأردنية أن يؤمن إيمانًا عميقًا بأن مواقف صانع القرار في الأردن لن تتغير لأنها واضحة وقيلت في الغرف المغلقة والمفتوحة.
ومخاطر المرحلة تتطلب توحيد الجبهة الداخلية بحيث تتوقف تلك الأصوات النشاز التي تشكك أولًا بالموقف الأردني، والتي تضعف متانة وقوة الجبهة الداخلية وتقسم "العرب عربين".
بمعنى، على الجميع أن يدعم الموقف الرسمي الرافض لكل هذه السيناريوهات وأن يقدم موقفًا شعبيًا موحدًا يؤمن بلاءات الملك الثلاث ويسعى إلى تكريسها بدون مواربة.
اليوم ليست مرحلة جني شعبويات، فحاضر الأردن ومستقبله على المحك، هذا الظرف سيستمر لسنوات أربع وبالتالي على جميع الأحزاب والمجتمع المدني بعشائره، وبعائلاته، بمدنه، بقراه، بمخيماته، بكل مكونات المجتمع أن تقدم موقفًا واحدًا يرفض تلك المقترحات، وأن تدعم مواقف جلالة الملك في هذه الظرفية الصعبة.