العياصرة لـ"أخبار الأردن": 4 مسارات ستحرر الأردن من الإملاءات الخارجية
قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن الساحة السياسية الإقليمية والدولية شهدت تغيرات جوهرية، كان أبرزها قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تعليق المساعدات المقدمة إلى الأردن.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا القرار يُعد تحولًا كبيرًا في طبيعة العلاقات بين الأردن والولايات المتحدة، التي طالما اعتمدت على شراكة استراتيجية تمتد لعقود، ذلك أن الأردن، الذي يُعتبر ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأمريكية في المنطقة بعد الكيان الصهيوني، لطالما لعب دورًا محوريًا في تحقيق التوازن السياسي والأمني في الشرق الأوسط، ومع ذلك، اختار ترامب ممارسة الضغوط على الحلفاء، متجاوزًا السياسات التي انتهجها أسلافه.
وبيّن العياصرة أن إدارة ترامب اعتمدت سياسة "الضغط بالأدوات المالية" وسيلةً لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية لحلفاء الولايات المتحدة، إذ رفع شعار "أمريكا أولًا" مستهدفًا بذلك تخفيف الأعباء عن واشنطن وتحميل الشركاء تكلفة التحالف، مضيفًا أن هذه السياسة انعكست بوضوح في مطالبة الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي في إطار حلف شمال الأطلسي، وكذلك في تعليق المساعدات للدول التي تعتبرها واشنطن حلفاء تقليديين مثل الأردن.
ونوّه إلى أن الرؤية الترامبية أصابت الأصدقاء والخصوم على حدٍ سواء، كما ظهر في التصعيد تجاه إيران، التي تُعتبر من أبرز المعارضين للسياسات الأمريكية في المنطقة، إذ يبدو أن ترامب كان يهدف إلى وضع الأصدقاء والخصوم تحت مظلة ضغوطه السياسية والاقتصادية لتحقيق مكاسب تخدم المصالح الأمريكية.
يواجه الأردن، الذي يُعتبر حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، تحديات متزايدة في ظل هذا النهج الأمريكي الجديد، فتعليق المساعدات الأمريكية جاء في وقت حساس تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ليطلب ترامب من الأردن استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة يمثل ضغوطًا مباشرة على المملكة، التي تقع في قلب التحديات الإقليمية، وفقًا لما صرّح به العياصرة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد قائلًا إنه من المتوقع أن تتزايد الضغوط على الأردن مستقبلًا، لا سيما إذا شهدت جبهة الضفة الغربية تحركًا جديدًا، وهذه التحديات تُلقي بظلالها على الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي للأردن، ما يفرض على صانعي القرار البحث عن حلول تضمن حماية المصالح الوطنية وتعزيز الأمن والاستقرار.
خطوات ضرورية لمواجهة المرحلة القادمة
في ظل هذا الواقع المعقد، تحتاج المملكة إلى تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد للتعامل مع هذه التحديات، منها تمتين الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال إطلاق مشروع وطني شامل يُبنى على أسس الإصلاح السياسي الحقيقي، مع ضمان عدالة توزيع الثروات، وإعداد ميزانية طوارئ وتقشف تُلبي احتياجات المرحلة الحرجة، بما يضمن استدامة الاقتصاد الأردني في ظل تناقص المساعدات الخارجية، تقوية اللحمة الوطنية وتوحيد الصفوف لمواجهة الضغوط الخارجية والداخلية.
وهناك أيضًا إعادة التموضع السياسي في الإقليم، إذ ينبغي على الأردن إعادة تقييم علاقاته الإقليمية بما يتناسب مع المتغيرات السياسية، وفي هذا السياق، يبدو أن تعزيز العلاقات مع تركيا يُشكل خيارًا استراتيجيًا، نظرًا لما توفره من فرص اقتصادية وسياسية، فتركيا تعد شريكًا مهمًا، خاصة في ظل انفتاحها الاقتصادي المتوقع على سوريا الجديدة، ما قد يُخفف من وطأة الضغوط الاقتصادية التي تواجهها المملكة، وفي الوقت ذاته، يجب الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع السعودية، مع التأكيد على أهمية الدعم الخليجي للأردن باعتباره عمقًا أمنيًا واستراتيجيًا لدول الخليج.
أما ثالثًا فيجب تنويع الخيارات السياسية والاقتصادية، إذ يجب على الأردن أن ينتهج سياسة تنويع تحالفاته الدولية، لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للدعم، إلى جانب دفع العلاقات مع القوى الصاعدة عالميًا، مثل الصين وروسيا، لخلق توازن استراتيجي يحد من تأثير السياسات الأمريكية المتقلبة.
ذلك يلتقي أيضًا مع رفض الإملاءات وحماية السيادة الوطنية، من خلال اتسام السياسة الأردنية بالوضوح والجرأة في رفض الإملاءات التي تتعارض مع المصالح الوطنية، لا سيما تلك المتعلقة بالقضية الفلسطيني، وتعزيز استقلالية القرار السياسي والاقتصادي الأردني، بما يضمن حماية السيادة الوطنية في وجه الضغوط الخارجية، وفقًا لما قاله العياصرة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
مستقبل الأردن
وقال إن السنوات المقبلة ستكون مليئة بالتحديات بالنسبة للأردن، خاصة في ظل إدارة أمريكية دعمت بالكامل السياسات الإسرائيلية، وسعت إلى فرض حلول على حساب دول المنطقة، مضيفًا أنه مع انحسار النفوذ الإيراني وإعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة، يُواجه الأردن مرحلة تتطلب إعادة النظر في علاقاته الإقليمية والدولية، مع التركيز على حماية مصالحه الحيوية، ما يعني أن هذه المرحلة تستدعي من القيادة الأردنية التحلي بالصبر والمرونة في التعامل مع المتغيرات، دون التسرع في اتخاذ قرارات قد تُعرض المملكة لمزيد من الضغوط.