كابوس المساعدات ما بين التبعية وثقافة الاتكال
قال الخبير الاقتصادي محمد البشير إن الموازنة الأردنية، بما في ذلك تمويل القوات المسلحة والعديد من الوزارات، تُعدّ ركيزة أساسية لضمان استقرار الدولة وأمنها، إلا أن اعتمادها الكبير على المساعدات الخارجية، لا سيما المساعدات الأمريكية، يُثير تساؤلات جوهرية حول مدى استدامة هذا النموذج الاقتصادي ومدى تأثيره على سيادة الدولة واستقلال قرارها السياسي والاقتصادي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه المساعدات قد توفر دعمًا مرحليًا يُسهم في تحسين الظروف المعيشية وتخفيف أعباء المالية العامة، لكنها تُشكل في جوهرها تحديًا استراتيجيًا يجب معالجته بعمق.
وأكد البشير ضرورة تحرر الأردن من هذه "المعادلة السامة والكابوس المؤرق"، حيث تحوّلت المساعدات إلى أداة تُكرّس التبعية وتعزز ثقافة الاتكال، فهي عامل يُعيق تحقيق التنمية المستدامة والاعتماد على الذات، إذ بعد مرور أكثر من قرن على تأسيس الدولة الأردنية، لا يزال هذا النمط من الاعتماد يساهم في تكوين طبقات مستفيدة بشكل مباشر من هذه المساعدات، مما يُعمّق الفجوة بين الشعب وواقعه الاقتصادي.
وبيّن أن بناء نموذج اقتصادي جديد يقوم على الاستقلالية يتطلب إعادة هيكلة شاملة للمالية العامة، وتوجيه السياسات نحو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، مع تعزيز الابتكار وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي، كما أن اعتماد الدولة بشكل أكبر على ضريبة الدخل، وخفض الفوائد، والتصدي للفساد، يُعدّ خطوات أساسية لتحقيق هذا التحول، وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على الحد من تأثير مراكز القوى الاقتصادية التي تُثقل كاهل الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وتقويض القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
واستطرد قائلًا إنه في ظل الواقع السياسي العالمي والإقليمي، يتضح أن المساعدات الخارجية، خصوصًا تلك القادمة من الولايات المتحدة، ليست خالية من الأهداف السياسية، مضيفًا أن السياسات الأمريكية الداعمة للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، والتوجهات الصهيونية التوسعية التي أشار إليها الرئيس السابق ترامب، تُبرز أن قطع أو تعليق المساعدات عن الأردن قد يحمل رسائل غير ودية ويُشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدولة.
ونوّه البشير إلى أن هذا الواقع يدعونا إلى مواجهة التحديات بمزيد من التكافل الوطني والعمل المشترك لبناء اقتصاد مستقل يُمكّن الأردن من التصدي لأي ضغوط خارجية، كما أن تداعيات ما بعد وقف إطلاق النار في غزة تُلقي بظلالها على الأردن، حيث يتوقع المحللون تصاعد التهديدات في المنطقة، وهو ما يتطلب منا تعزيز قدراتنا الذاتية والاستعداد لمواجهة أي عدوان محتمل.