النقرش يكتب: فارق الثقافة السياسية والمحاسبة بين العرب والغرب

 

الدكتور إبراهيم النقرش


تمثّل ردود الأفعال عند وقوع الأخطاء والأزمات لدى المسؤولين مؤشراً حقيقياً للأنظمة السياسية والثقافات السائدة في المجتمعات الإنسانية. ففي المجتمعات الغربية الديمقراطية، مثلاً، تعتبر الاستقالة عند وقوع الخطأ أو الإخفاق في إدارة المؤسسات المجتمعية معياراً أخلاقياً يعكس قوة المؤسسات ومفهوم المحاسبة والشفافية في إدارة شؤون الدولة.

أما في مجتمعاتنا العربية، فتسود ثقافة سياسية واجتماعية مختلفة تُركّز على الولاءات والانتماءات الشخصية، مما يُضعف المحاسبة. وهذا بالطبع يمثّل تحديات أعمق في البناء المؤسسي والاجتماعي والسياسي للدولة.

تُعد الاستقالة بعد الخطأ، وخصوصاً الأخطاء الفادحة مثل إزهاق الأرواح، مسؤولية أخلاقية ومهنية، بل مسؤولية سياسية ترتبط بثقة الشعب في النظام القائم وبنظام الرقابة والمساءلة الذي تضطلع به المؤسسات الرقابية والإعلام الحر.

في المقابل، ما يعتبره الغرب مسؤولية أخلاقية يُعتبر في العالم العربي ضعفاً أو تنازلاً. لذلك، تُستخدم العلاقات الشخصية أو السياسية كغطاء لحماية المسؤولين عن الأخطاء من المحاسبة والعقاب. والشواهد على ذلك كثيرة في عالمنا العربي.

قاعدة الشفافية، التي تتطلب وضوح الحدث وتغليب المحاسبة على الخطأ، تفرض على المسؤولين مواجهة الأخطاء وتحمّل تبعاتها دون حسابات شخصية. فالإعلام الحر المستقلّ يقوم بدور رقابي فعال، يروي ويراقب كل شيء، بينما تلعب المؤسسات المجتمعية المدنية دوراً رقابياً مهماً في تسليط الضوء على الأخطاء.

أما في بعض المجتمعات العربية التي تفتقر للشفافية، فيُنظر إلى الاعتراف بالخطأ كتهديد للنظام. ولذا، يتم اللجوء إلى إلقاء اللوم على عوامل خارجية أو موظفين صغار لتجنب المواجهة. علمًا بأن هناك أنظمة تتمتع بشفافية كافية لكشف الأخطاء ومحاسبة المسؤولين عنها.

هنا تظهر الفروقات الجوهرية بين المجتمعات، والتي تُبنى عليها قواعد الدولة بمكوناتها: الأرض، والإنسان، والمؤسسات.

فالنظام السياسي الديمقراطي في الغرب يُعزز المحاسبة، التي بدورها تضمن استقلالية مؤسسات المجتمع المدني. وعلى النقيض، في المجتمعات غير الديمقراطية، تسود الولاءات التي تحمي المسؤولين من المحاسبة.

الثقافة الإدارية التي تحتضنها الديمقراطيات تُركّز على الكفاءات والاعتراف بالأخطاء لإصلاحها، بعكس الأنظمة غير الديمقراطية التي تعتمد على القبلية والعلاقات الاجتماعية كسبيل لاتخاذ القرارات.

ولا يمكن إغفال دور الشعب في المجتمعات الديمقراطية، حيث يتمتع بوجود مجتمع مدني قوي بمؤسسات رقابية مستقلة. هذا الشعب يمارس ضغطاً شعبياً فاعلاً وشراكة حقيقية في بناء الدولة. أما في المجتمعات غير الديمقراطية، فإن غياب هذه المقومات يُضعف الضغط الشعبي على المسؤولين لتحمل المسؤولية.

كلمة أخيرة: في المجتمعات الديمقراطية، يُعلّمون أبناءهم منذ الصغر أهمية الشفافية والمساءلة كقيم أخلاقية أساسية لبناء المجتمع.