التل يكتب: الأمنُ العام يَقْبِض
أ.د. وائل عبد الرحمن التل
الأردنُّ، قبلَ نشأة الإمارة، وبعدَها، لم يَشهد عنصريّة بأيٍّ من أشكالها، وهذه قيمة وطنيّة وقوميّة ودينيّة ورثناها ونتناقلها بفَخر؛ فالعنصريةُ مَقيتهٌ ذميمةٌ تنبِذُها الأديانُ السّماوية، وجريمةٌ تُعاقبُ عليها القوانين، وفعلةٌ نكراء تُجافيها أعرافُنا، وهدّامةٌ تُقيِّضُ بناء وتنمية الدولة.
فئةٌ محدودةٌ من الناس بيننا هي المُحرّك للعنصريّة، وقد حذَّرَت مديرية الأمن العام هذه الفئة مراراً في محاولةٍ منها لاستثارة وعيِها والمسؤولية الوطنيّة لديها بخطورة نشرها وتداولها محتوىً عنصريّاً يُحرّضُ على إثارة الفِتن والنّعرات باستخدام الشّبكة العنكبوتيّة أو منصّات التواصل الاجتماعي أو غيرهما بنبشِ الماضي وتغذيَة أحقادها للمساسِ بالوحدة الوطنيّة، ولإحداثِ الانقسام والفجوات وخَلقِ النزاعات بين مختلف فئات المجتمع، والقدحِ والتهكّم واستفزاز المشاعر لضرب الأمن والاستقرار المجتمعي.
هذه الفئةُ من الناس تنشطُ بين الحين والآخر، بدافعٍ منها أو مدفوعة من مغذّياتٍ خارجيّة، رَصَدتها وحدة الجرائم الالكترونية في مديرية الأمن العام منذ لحظة تزايد نَشرها وتداوُلِها ذاك المحتوى العنصري، فتصدَّتْ لها مديرية الأمن العام بحزم، وتمّ القَبْضُ، وإحالتهم إلى القضاء، والذي نُطالبُ به أمام هذه الجريمة والفِعلة النكراء المُخيفة إنزال أقسى العقوبات المنصوص عليها قانوناً، وكلّي أملٌ بعد ذلك مراجعة قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات الأردني لتغليظ العقوبات المتعلّقة بها رَدعاً لكل من تسوّلُ له نفسُه اقترافها.
مقابل كلّ ذلك، فأنا أعرفُ وألتقي وأشهدُ المئاتَ من شبابنا، من مختلف فئات مجتمعنا وشَتّى منابتهم وأصولهم، الذين ينسِجُون الأردنَّ في وجدانِهم حبّاً وعشقاً، وكلٌّ يُعبّر عنهما بالإنجاز والإبداع والإخلاص والتّفاني في مجاله، والكاتبة (رشا دبابنة) نموذجٌ، فهي التي تهيمُ حبّاً وعشقاً بالأردنّ وتجوبُ فيه لتُجالسَ بكل جوارِحِها أطفالَه قاصّةً عليهم قِصَصَها وما تكتنزهُ من موروثِها القِصصي المقروء
والمسموع لتنمية لغتِهم العربيّة وقيمِهم ووعيِهم الثقافي وخيالِهم العلمي والأدبي، ولتعزيز ارتباطِهم بوطنِهم، ولبعثِ الاعتزاز بتاريخه ومبادئه ورسالته، ولزيادة وعيهم بآثارِه وتراثِه المادّي والمعنوي، وقد شاهدتُ ارتدادات أنفاسها وهي تقبضُ حفنةً من ترابِ الأردنِّ وتَشْتَمُّهُ بنَفَسٍ عِطريٍّ طويلٍ وعَميق، وأحسستُ بتعبُّدِ روحِها وهي تتحدّثُ بفخرٍ عن معالمه الأثريّة والتراثية والحضارات القديمة الظاهرة فوقَ أرضه وتلك التي ما زالت مدفونة بباطِنها، وعن منجزاته، وقيمة موجودات متاحفه، ووجوب نظافة وتنقية بيئته.
أخيراً، هذا هو بعض حُبّ الأردن، وهذا هو النموذج الذي به نفخَر، وهذا هو نتاج التربية الأصيلة، والسلام.