المنتظر من المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل

قال خبير الأمن السيبرانيّ وصفي الصفدي إن إنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل في الأردن يشكل ركيزة أساسية لتحقيق رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني بتحويل الأردن إلى دولة متقدمة تقنيًا واقتصاديًا.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الخطوة تمثل استجابة استراتيجية لمتطلبات العصر الرقمي، حيث يعتمد نجاح الدول في المستقبل على قدرتها على بناء اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار، ومن هذا المنطلق، فإن المجلس لا بد أن يعمل على تطوير ركائز تكنولوجية متكاملة تشمل البنية التحتية، وإدارة البيانات، والثقافة الرقمية، والهوية الإلكترونية، مع وضع استراتيجيات واضحة للتكامل بين مختلف القطاعات.

وبيّن الصفدي أن البنية التحتية الرقمية تأتي في مقدمة الأولويات، فهي الأساس الذي يُبنى عليه التحول الرقمي، مضيفًا أن ذلك يتطلب تطوير شبكات الجيل الخامس، وتوسيع انتشار الألياف الضوئية، وضمان وصول الإنترنت إلى جميع المناطق بما في ذلك الأكثر عزلة، وهذه الجهود يجب أن تُعزز بإنشاء مراكز بيانات وطنية موحدة ومجهزة للتعامل مع الطوارئ والكوارث الطبيعية، لضمان استمرارية الخدمات الحيوية في الظروف الاستثنائية.

وذكر أن إدارة البيانات تشكل عنصرًا حاسمًا في صنع القرار المستند إلى المعلومات الدقيقة، فتحسين جودة البيانات وأمنها يعد ضرورة، إلى جانب تعزيز استخدامها في تحليل الأنماط واتخاذ قرارات استراتيجية تسهم في تحسين الأداء الحكومي والقطاع الخاص، وفي هذا السياق، يجب أن تتكامل إدارة البيانات مع سياسات شاملة للهوية الرقمية، تعزز حماية الخصوصية والثقة في خدمات الحكومة الإلكترونية.

وأشار الصفدي إلى أن الثقافة الرقمية تمثل عنصرًا حيويًا لتمكين الأفراد والمجتمع من التعامل بفاعلية مع التحول الرقمي، وهذا يتطلب استثمارًا مكثفًا في تعليم المهارات الرقمية، وتشجيع الابتكار بين الشباب الأردني الذي يشكل العمود الفقري لأي تقدم تقني مستدام، إذ يجب أن يُنظر إلى التكنولوجيا كأداة تمكين تسهم في حل القضايا المجتمعية وتعزيز التنافسية الاقتصادية.

من جهة أخرى، فإن توظيف التكنولوجيا الحديثة يجب أن يتم بطريقة استراتيجية، فتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والبلوكشين يجب أن تُدمج ضمن رؤية وطنية شاملة، مستطردًا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تحسين الكفاءة الإنتاجية، بينما توفر الحوسبة السحابية بيئة مرنة لدعم الابتكار، فيما تعتبر البلوكشين، على سبيل المثال، وسيلة لتعزيز الشمول المالي وبناء أنظمة تعاملات رقمية أكثر شفافية.

وأكد الصفدي ضرورة منح الأمن السيبراني أولوية قصوى، فمع توسع الاعتماد على التكنولوجيا تظهر تهديدات جديدة تتطلب بنية سيبرانية قوية قادرة على حماية الأصول الرقمية والبنية التحتية الحيوية من الهجمات المتزايدة تعقيدًا.

وأشار إلى أن التحول الرقمي لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن شراكة متينة بين القطاعين العام والخاص، وهذا التعاون يجب أن يستند إلى رؤية مشتركة تتجاوز الحدود التقليدية لتقسيم الأدوار، بحيث يصبح القطاع الخاص شريكًا استراتيجيًا في الاستثمار بالموارد المالية والخبرات، وتسريع الابتكار التكنولوجي، ومثل هذه الشراكة تفتح آفاقًا جديدة أمام الاقتصاد الأردني، وتعزز من قدرته على مواكبة التغيرات العالمية.

وبيّن الصفدي أن الإطار المؤسسي لإنشاء إنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل يجب أن يقوم على بنية تنظيمية مرنة تستجيب للتحديات بسرعة وكفاءة، إذ يمكن تحقيق ذلك عبر تشكيل فرق متعددة الوظائف تجمع بين تخصصات مختلفة لتحقيق تكامل الجهود، كما أن وجود مكتب مركزي للمجلس يتولى الإشراف على تنفيذ المشاريع ومتابعة تقدمها، يضمن تحقيق النتائج المرجوة وفق إطار زمني محدد.

وعن التحديات التي يواجهها الأردن في هذا السياق، فتشمل الفجوة الرقمية ونقص الكفاءات المؤهلة، لكن الفرص تكمن في الإمكانيات الهائلة لشبابه الطموح والدعم السياسي الواضح للتحول الرقمي، واستغلال هذه الفرص يتطلب رؤية استراتيجية تجمع بين التعليم الرقمي، والصحة الرقمية، وتطوير المدن الذكية، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، والبلوكشين، والحوسبة السحابية في تحسين جودة الحياة وتعزيز التنافسية الاقتصادية.

واختتم الصفدي حديثه بالقول إن تحقيق هذا الهدف يستدعي استثمارًا مستدامًا في تطوير القدرات الوطنية، وتفعيل الشراكات مع التحالفات الدولية والمؤسسات المانحة لتأمين التمويل اللازم وتبني أحدث التقنيات، وبهذا الشكل، يمكن للأردن أن يصبح نموذجًا إقليميًا وعالميًا في التحول الرقمي، وأن يرسخ مكانته كدولة حديثة قائمة على الابتكار والتنمية المستدامة.