الهزايمة يكتب: غزة بين العدوان والمساءلة.. أسئلة بلا أجوبة

  هاني الهزايمة

في خضم العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، الذي خلّف وراءه مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمّر أكثر من 75٪ من البنى التحتية، يتجدد الحديث عن وقف إطلاق النار وكأنه الحل السحري الذي يعيد الأمور إلى نصابها. ولكن، هل يمكن اعتبار ما حدث منطقيًا؟ ومن يتحمل المسؤولية عن هذه الكارثة الإنسانية؟ ومن سيُحاسب على هذا الدمار الهائل الذي حلّ بغزة وأهلها؟

قطاع غزة، الذي يعيش أصلاً تحت حصار خانق منذ أكثر من 16 عامًا، كان مسرحًا لمشاهد مروعة من القتل والدمار خلال العدوان الأخير. آلة الحرب الإسرائيلية لم تفرق بين طفل وامرأة، ولا بين مدرسة ومستشفى. أحياء بأكملها تحولت إلى ركام، وأحلام آلاف العائلات دفنت تحت الأنقاض، فيما بقيت غزة شاهدة على فظاعة المشهد. التقارير الدولية تؤكد أن العدوان دمّر بشكل شبه كامل البنى التحتية للقطاع، مما جعل الحياة هناك شبه مستحيلة. المياه ملوثة، الكهرباء مقطوعة، والمنازل مهدمة. ومع ذلك، يعود الحديث عن وقف إطلاق النار وكأنه يُعيد الحياة إلى طبيعتها، بينما الواقع في غزة هو استمرار الحصار والفقر والتهديد الدائم.

وقف إطلاق النار، على الرغم من الترحيب الدولي به، لا يبدو أنه يعالج جذور المشكلة. المعادلة واضحة ومأساوية في آنٍ واحد: غزة تُدمّر، الاحتلال يواصل عدوانه بلا محاسبة، والعالم يكتفي بالتصريحات الدبلوماسية. ما يحدث ليس أكثر من استراحة مؤقتة قبل جولة جديدة من العنف، ليعود القطاع إلى حالته المعتادة من الحصار والغياب الكامل لأفق سياسي، بينما يعاني الشعب الفلسطيني بصمتٍ مرير.

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة بعد كل عدوان هو: من يتحمل المسؤولية؟ ومن سيحاسب؟ إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، ولكن المجتمع الدولي يبدو عاجزًا أو متواطئًا في مساءلتها. قرارات الأمم المتحدة تُنتهك بشكل متكرر، دون أي عواقب تُذكر. هذا الصمت الدولي يُشجع إسرائيل على مواصلة عدوانها، بينما يتحمل المجتمع الدولي جزءًا من المسؤولية بتجاهله لمعاناة الفلسطينيين، مكتفيًا بالإدانات الشكلية.

على الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل مسؤولية القيادة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية. الانقسام الداخلي أضعف الموقف الفلسطيني، وحوّل القضية إلى رهينة للخلافات السياسية الداخلية، مما ترك الفلسطينيين بلا قيادة موحدة قادرة على مواجهة الاحتلال.

ما حدث في غزة ليس استثناءً، بل هو جزء من سياسة ممنهجة للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. ومع ذلك، يظل السؤال الأكبر بلا إجابة: إلى متى سيظل العالم صامتًا أمام هذه الجرائم؟ ومتى سيُحاسب المسؤولون عن هذا الدمار؟ المأساة في غزة ليست مجرد أرقام أو تقارير، بل هي قصة شعب يعاني من الحصار والعدوان يوميًا. وقف إطلاق النار ليس حلاً، بل هو تأجيل للأزمة. الحل الحقيقي يبدأ بمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وإنهاء الحصار، وفتح أفق سياسي يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة.

إن استمرار الصمت الدولي وعدم مساءلة إسرائيل لن يؤدي إلا إلى مزيد من الحروب والدمار. غزة لا تحتاج إلى وقف إطلاق نار مؤقت، بل إلى وقف دائم للعدوان، ورفع الحصار، وتحقيق العدالة لشعبها. العدوان قد يتوقف، لكن المأساة مستمرة. والمسؤولية تقع على عاتق الجميع، من الاحتلال إلى المجتمع الدولي، مرورًا بالقيادة الفلسطينية. إلى متى ستبقى الأسئلة بلا إجابات؟