الماضي لـ"أخبار الأردن": هدنة غزة اتفاق ضرورة
قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين حركة حماس ودولة الكيان الإسرائيلي يعد "اتفاق الضرورة" للطرفين، وهو كذلك ضرورة محورية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والإدارة الجديدة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إدارة بايدن، رغم محاولاتها العديدة، شكلت عائقًا أمام فرض إرادتها السياسية على حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، وهو ما يعكس بشكل واضح عدم القدرة على احتواء التحديات الإسرائيلية في إطار دبلوماسي أمريكي تقليدي، بالمقابل، كان للمبعوث الأمريكي الذي يمثل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب دور محوري في توجيه الضغوط السياسية على نتنياهو، الأمر الذي دفعه في النهاية لقبول الصفقة تحت ضغوط شديدة قوبلت من جميع الأطراف المعنية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
ورغم التوصل إلى وقف إطلاق النار، تظهر كافة المؤشرات بوضوح أن حركة حماس لن تُقبل طرفًا محوريًا في غزة كما كانت الحال قبل السابع من أكتوبر، ولا يقتصر هذا على إسرائيل والولايات المتحدة فحسب، فهو يشمل أيضًا الوسطاء المصريين والقطريين، الذين يقفون على الطرف الآخر من المعادلة السياسية في المنطقة، وفقًا لما صرّح به الماضي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، مضيفًا أن الأطراف الدولية، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، لن تسمح بإعادة تشكيل الوضع السياسي في غزة بالشكل الذي كانت عليه حماس في السنوات السابقة، وعليه، فإن هذا سيفتح المجال لتصاعد الانقسامات الفلسطينية الداخلية، حيث سيبرز الصراع على قيادة القطاع بين حماس والفصائل الأخرى في المشهد الفلسطيني، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات الداخلية في غزة في الفترة المقبلة.
وبيّن أن موقف حركة حماس بعد الحرب يظل معقدًا، حيث تعتبر الحركة نفسها قد حققت "نصرًا سياسيًا" من خلال صفقة تبادل الأسرى، التي شكلت نقطة تحوّل هامة في علاقتها مع الشارع الفلسطيني، وهذا الموقف سيمنح حماس مزيدًا من النفوذ في المفاوضات الداخلية الفلسطينية والخارجية على حد سواء، لكن في الوقت ذاته، سيكون لهذا الموقف تداعيات سلبية على الوضع الداخلي في غزة، لاسيما مع تدمير البنية التحتية بشكل شامل، بما في ذلك الصحة والتعليم، مشيرًا إلى أنه في ظل هذه الظروف، سيكون من الصعب على الحركة التمسك بموقفها في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها القطاع، فضلاً عن الضغوط السياسية الدولية والإقليمية.
ولفت الماضي الانتباه إلى أن المشهد الذي سيظهر بعد انتهاء الحرب سيكون معقدًا للغاية، من ناحية، ستظل غزة في حاجة إلى إعادة إعمار ضخمة للبنية التحتية المدمرة، لكن من ناحية أخرى، سيكون هناك رفض دولي شديد لمواصلة دعم حماس كقوة سياسية رئيسية في القطاع، وهذا الرفض سيشمل إلى جانب إسرائيل وأمريكيا، الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها مصر وقطر، اللتان ستضطران للضغط على حماس لتقليص دورها السياسي في غزة، على غرار ما حدث مع حزب الله في لبنان، وبالتالي، فإن الضغط الدولي والإقليمي سيخلق بيئة من الاستقطاب السياسي، حيث سيبرز الصراع على السيطرة على غزة بين حماس والفصائل الأخرى التي ستطالب بمزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
واستطرد قائلًا إن الوساطات المصرية والقطرية تبدو العاملين الرئيسيين في إعادة صياغة الوضع السياسي في غزة، إذ من المحتمل أن تسعى هذه الأطراف لتقليص دور حماس في معادلة الحكم في القطاع، مع الدفع نحو إيجاد تسوية سياسية تضمن استقرار الوضع الداخلي في غزة، وهذه الحلول ستتمحور حول تحويل حماس إلى "قوة ثانوية" بدلًا من القوّة السياسية الأولى، وهو نهج مشابه لما حدث في لبنان وسوريا، حيث كان من الضروري تقليص الدور العسكري والسياسي لهذه الفصائل في صراعها مع الدولة.
ونوّه الماضي إلى أن الواقع الذي يواجه غزة اليوم يعكس تدميرًا شاملًا على الأصعدة كافة، سواء في البنية التحتية أو في الخدمات العامة، وهذا الوضع يعكس حجم المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في القطاع، ويضع على عاتق المجتمع الدولي مهمة إعادة الإعمار، لكن في ظل هذا الواقع، سيظل المشهد السياسي معقدًا، حيث سيظل قطاع غزة في حالة من الجمود السياسي إذا استمرت حماس في قيادة الوضع، لذا، فإن الحل السياسي المستقبلي يجب أن يتضمن إعادة ترتيب المشهد الفلسطيني بشكل يعكس توازنًا بين القوى السياسية المختلفة في غزة، مع ضمان استقرار الإقليم وعدم السماح بعودة الصراعات العسكرية التي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التدمير.