العرب يكتب: هل نملك حواس خفية أم أن العقل يخدعنا؟
د. محمد العرب
هل تساءلت يوماً عن تلك اللحظات الغامضة التي ترى فيها ما يبدو كأنه لمحة من المستقبل، أو تسمع أصواتاً لا يسمعها أحد سواك؟
الجلاء البصري والسمعي مفهومان يثيران الفضول والجدل في آن واحد ويُقال إنهما قدرة استثنائية على رؤية أو سماع ما لا تدركه الحواس التقليدية، لكن هل نحن أمام حقيقة علمية، أم مجرد أوهام تنسجها عقولنا المقولبة مع محيطنا الغني بالقصص والأساطير؟
الجلاء البصري يُوصف بأنه نافذة مفتوحة على عوالم غير مرئية وهو رؤية أحداث لم تقع بعد أو ربما وقعت في زمن بعيد ، أما الجلاء السمعي فهو سماع أصوات تبدو وكأنها رسائل من المجهول، تنساب إلى الأذن من عوالم أخرى وهذه الظواهر التي طالما ارتبطت بالعالم الروحي أو القوى الخارقة، لا تزال غير مدعومة بأدلة علمية قوية، لكن العلم والنفس قد يملكان تفسيراً مختلفاً لهذه ((القدرات))
العقل البشري هذه الماكينة المعقدة التي لا تتوقف عن معالجة المعلومات، قد يكون هو من يلعب دوره في هذه الظواهر ، أحياناً تكون هذه الرؤى و الأصوات مجرد إسقاطات من اللاوعي. قد تكون فكرة لم تكتمل أو ذكريات مشوشة تعود لتطفو على السطح في هيئة واضحة ولكن ماذا عن تلك اللحظات التي تبدو فيها هذه التجارب أكثر من مجرد لعبة ذهنية؟ هل يمكن أن يكون العقل قادراً على معالجة إشارات خفية لا تلتقطها حواسنا المعتادة؟
الإدراك الحدسي هو أحد التفسيرات العلمية لهذه الظواهر. العقل يلتقط ملايين التفاصيل الدقيقة دون أن ندرك ذلك، ثم يعالجها بسرعة فائقة ليقدم لنا (إحساساً) أو (رؤية) تبدو وكأنها خارقة. كأن تتوقع حدثاً ما بناءً على إشارات دقيقة لم تنتبه لها بوعي. في مثل هذه الحالات قد لا يكون الأمر سحرياً بقدر ما هو نتيجة لقدرة العقل على التنبؤ بناءً على معطيات موجودة.
لكن ماذا عن الحالات التي تكون فيها هذه الظواهر أكثر تشويشاً؟ حين تسمع أصواتاً في غرفة فارغة، أو ترى مشهداً يبدو حقيقياً لكنه لا يمكن أن يكون كذلك؟ العلم يفسر هذه الحالات من خلال ظواهر مثل الهلوسات السمعية والبصرية، الناتجة أحياناً عن الضغط النفسي، أو قلة النوم، أو حتى اضطرابات عصبية مثل الفصام. في حالات أخرى، يمكن أن تكون نتيجة للنشاط المكثف في مناطق معينة من الدماغ، مثل الفص الصدغي، الذي يُعتقد أنه مسؤول عن التجارب الحسية غير المألوفة.
لكن رغم كل هذه التفسيرات، يظل هناك مجال واسع للتأمل في ماهية هذه الظواهر. ربما تكون الصحراء الداخلية للعقل، حيث تلتقي الأفكار بالعواطف، هي التي تصنع هذه التجارب، أو ربما، هناك بالفعل أبواب خفية لم نفتحها بعد. التأمل العميق، على سبيل المثال، أظهر لنا كيف يمكن للعقل أن يصل إلى حالات استثنائية من الإدراك. قد تكون هذه الحالات أقرب إلى (الجلاء) مما نتصور.
الجدل العلمي لا ينفي كلياً وجود هذه الظواهر، لكنه يشدد على أننا بحاجة إلى أدوات أفضل لفهمها. الأبحاث حول الإدراك خارج الحواس لم تقدم نتائج قاطعة بعد، لكنّها لم تغلق الباب تماماً ، فهل نحن أمام عوالم خفية لم نستطع الوصول إليها بعد، أم أننا ببساطة نعجز عن تفسير عبقرية عقولنا التي تفوق فهمنا؟
الجلاء البصري والسمعي قد يكونان مرآة مزدوجة: إما نافذة إلى عوالم غير مرئية، أو انعكاساً لما يدور في أعماقنا ، ويبقى السؤال مفتوحاً : هل هذه الحواس الخفية موجودة بالفعل، أم أننا نُعيد رسم ملامح عقولنا في هيئة حكايات خارقة؟ الإجابة قد تكون في مكان ما بين العلم والأسطورة، حيث يلتقي الإدراك البشري بحدوده القصوى.