إقصاء حماس من إدارة غزة

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن حركة حماس في كواليس المشهد الراهن، لا تبدو مرشحة للعودة إلى حكم قطاع غزة بعد انتهاء هذا الصراع. 

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التسريبات الإسرائيلية تشير إلى ترتيبات محكمة تهدف إلى إنهاء تدريجي لدور الحركة في القطاع، وبالرغم من أن حماس سعت إلى صياغة اتفاقيات الهدنة بطريقة مبهمة تتيح لها التهرب من صورة الطرف المهزوم، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أنها تسعى للبقاء في المشهد من بوابة "الظروف المتغيرة"، على أمل أن تعيد بناء قوتها بمرور الوقت.

وبيّن البستنجي أن هذه الرؤية لا تخلو من استدعاء لتجربة الراحل ياسر عرفات، الذي خرج من بيروت عام 1982 ثم حاول العودة إلى طرابلس بعد أقل من عام ليؤسس موطئ قدم جديد، لكن حماس تغفل حقيقة أن عرفات أُخرج من طرابلس نهائيًا بقرار أمريكي صارم، نُفذ عبر تحالفات محلية وإقليمية، مضيفًا أن التاريخ يشير بوضوح إلى أن الخروج كان جزءًا من مشروع أكبر، واليوم، يبدو أن حماس تواجه سيناريو مشابهًا؛ إذ إن ترتيبات إنهاء وجودها كسلطة في غزة قد لا تترك أي مجال لمراهناتها على "العودة".

ونوّه إلى أن الموقف الدولي، خصوصًا الأمريكي، لا يسمح بوجود حماس في أي موقع سلطوي مستقبلي، وعلى الحركة، إذا أرادت دورًا مستقبليًا في المشروع الفلسطيني، أن تعيد تعريف استراتيجيتها السياسية وتعيد صياغة مشروعها بما يتواءم مع المتغيرات الإقليمية والدولية.

الاتفاقيات: بنود ظاهرة وأخرى خفية

وأكد البستنجي ما تكشف عنه التحليلات من أبعاد مزدوجة لاتفاقيات الهدنة؛ بعضها معلن للجميع، بينما يظل البعض الآخر خفيًا ولا يعلمه إلا الأطراف الرئيسية: حماس، إسرائيل، والوسطاء، على سبيل المثال، البند الذي ينص على سفر الجرحى العسكريين من القطاع، بمعدل خمسين جريحًا يوميًا يرافقهم ثلاثة أشخاص، يخفي في طياته عملية منظمة لإبعاد كوادر الحركة، وهذا الترتيب، وإن بدا إنسانيًا على السطح، يعني فعليًا خروج ما لا يقل عن 150 شخصًا يوميًا من المشهد، معظمهم من النخبة العسكرية للحركة.

الترتيبات لا تتوقف عند هذا الحد؛ فالاتفاقيات تتضمن ملحقات دقيقة وفخاخًا مدروسة تتيح لإسرائيل التحكم الكامل في مسارات التنفيذ، وهذه الفخاخ صُممت لضمان أن أهداف إسرائيل الاستراتيجية، وعلى رأسها منع حماس من العودة إلى الحكم، ستتحقق على المدى الطويل.

غزة بعد حماس: سيناريوهات ما بعد الهدنة

التغييرات المقبلة في غزة تحتاج إلى وقت لتنضج، لكنها تشير إلى مرحلة جديدة مختلفة تمامًا. المرحلة المقبلة قد تشمل ترتيبات إقليمية ودولية جديدة لإدارة القطاع، ربما تتولاها السلطة الفلسطينية أو كيان دولي مؤقت بإشراف مباشر من أطراف الوساطة، وفقًا لما صرّح به البستنجي.

ورغم أن إسرائيل لم تحقق "نصرًا مطلقًا"، فإن نجاحها في ضمان خروج حماس من معادلة الحكم يعتبر انتصارًا استراتيجيًا على المدى البعيد، وهذه النتيجة تمثل جوهر ما كانت تطمح إليه إسرائيل منذ بداية العملية، وهو تدمير البنية الحاكمة للحركة في غزة وضمان عدم عودتها في المستقبل المنظور.

هل تعيد حماس صياغة دورها؟

حماس تجد نفسها اليوم في مواجهة معقدة تتمحور حول كيفية البقاء كحركة ذات تأثير في المشروع الفلسطيني، في ظل استبعادها من السلطة؟.

في المقابل، الترتيبات الجديدة في غزة تُبرز واقعًا مختلفًا؛ واقعًا يتسم بمرحلة انتقالية قد تكون طويلة، تسعى فيها الأطراف الدولية لضمان استقرار القطاع وإعادة تشكيل المشهد بما يخدم المصالح الكبرى للولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما.

فهل ستنجح في استيعاب المعادلة الجديدة؟ أم تظل أسيرة أحلامها بالعودة، لتواجه مصير التهميش الكامل؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد ملامح المستقبل السياسي للقطاع، وربما للمشروع الفلسطيني بأكمله.