حادثة سيل الزرقاء.. علينا الاستفاقة من غفلتنا
علّق أستاذ علم الاجتماع والجريمة الدكتور جهاد الحجي، على حادثة سيل الزرقاء، حيث أقدم رجل على رمي طفليه في السيل انتقامًا من زوجته، بقوله إنها نموذج مأساوي لاضطرابات نفسية واجتماعية متشابكة تتطلب استفاقة وطنية.
وأوضح الحجي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المجرم قد يشعر باللذة أو الانتعاش أثناء ارتكاب الجريمة، وهي لذة تنبع من شعور مرضي بتحقيق السيطرة أو الانتقام، مشيرًا إلى أن هذا السلوك قد يرتبط بعوامل نفسية تدفع المجرم لتحدي النظام الاجتماعي والقانوني السائد، أو للتفوق على أفراد بعينهم، وذلك بدافع تحقيق الرضا الشخصي أو التفريغ العاطفي الناتج عن أزمات نفسية متراكمة.
ولفت الحجي الانتباه إلى أن طبيعة الجريمة، التي اتسمت بالعنف المفرط والغضب، تعكس حالة من الاضطراب النفسي المتأصل في شخصية الجاني، إذ يلجأ إلى الإيذاء كوسيلة لتحقيق الانتقام، موضحًا أن هذه الاضطرابات لا تنشأ فجأة، فهي تتفاقم على مدار فترة طويلة من الزمن، نتيجة ضغوط ومؤثرات خارجية تراكمية تدفع المجرم إلى ارتكاب جريمة شديدة القسوة.
وأشار إلى احتمال وجود ما يُعرف بـ"الغيرة المرضية" دافعًا لهذه الجريمة، وهو نوع من الغيرة يتسم بعدم العقلانية والاضطراب العاطفي، وغالبًا ما يؤدي إلى ارتكاب جرائم مروعة في بيئات تعاني من اضطراب اجتماعي أو نقص في التواصل الإيجابي بين أفرادها، ذلك أن هذه الغيرة، في سياقات اجتماعية مضطربة، تدفع المجرم إلى تنفيذ أفعال انتقامية شديدة القسوة، يكون الأطفال في بعض الأحيان ضحية لها.
وأكد الحجي أهمية التحليل النفسي والسلوكي للمجرمين لفهم دوافعهم بعمق، مبينًا أن مثل هذه الجرائم تحمل أسبابًا غير ظاهرة تتطلب تفكيكها من خلال دراسة الحالة النفسية للجاني، حيث لا يمكن الوقوف على حقيقة السلوك الإجرامي دون استكشاف الجوانب الخفية التي تسهم في نشوئه، فشعور الجاني بالندم أو الذنب، الذي قد يظهر بعد فترة من ارتكاب الجريمة، يعكس صراعًا داخليًا متأخرًا نتيجة إدراكه لحجم الفعل الذي أقدم عليه.
وشدد على أن الوقاية من مثل هذه الجرائم تتطلب تكامل الجهود بين المؤسسات الاجتماعية والنفسية، إذ ينبغي تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التواصل الإيجابي داخل الأسرة، وتقديم الدعم النفسي للأفراد الذين يواجهون أزمات حادة، داعيًا إلى تحسين البيئة الاجتماعية، خاصة في المناطق التي تعاني من مشكلات اقتصادية واضطرابات اجتماعية، لضمان توفير مناخ صحي يحد من تراكم المشكلات النفسية التي قد تتحول إلى دوافع للسلوك الإجرامي.
ونوّه الحجي إلى أن الاستثمار في بناء الوعي المجتمعي، ودعم الصحة النفسية، وتعزيز قيم التماسك الأسري، هو السبيل الأمثل للحد من مثل هذه المآسي.