الحلقة المفقودة.. هل أضعناها.. أم غُيِّبت عنّا؟!..

محمود الدباس

المتتبع لما يجري في الأردن من تحديث سياسي واقتصادي.. ومن محاولات جادة من الحكومة وأجهزة الدولة للنهوض بالاقتصاد وتحريك عجلته.. يجد إشارات واضحة تعكس هذه الجهود في تصريحات المسؤولين.. وفي المؤتمرات الكثيرة التي تقام في الأردن.. وكذلك مشاركة المسؤولين في المؤتمرات المختصة بالاستثمار خارج الأردن..

إضافة إلى العديد من الأفكار والدراسات.. وحتى المقالات التي تطرق باب منغصات ومعطلات الاستثمار.. والتي تنبه المسؤول بكل مهنية إلى كيفية استقطاب المستثمرين.. وما هي الأمور التي يركز عليها المستثمر.. ناهيك عن العقول المتخصصة الأردنية.. والأيدي الماهرة التي يزخر بها الأردن.. وكذلك الامتيازات الجيوسياسية التي يمتاز بها.. عدا عن الاتفاقيات الثنائية التي تمنح المنتجات الأردنية امتيازات في العديد من الأسواق العالمية.. مما من شأنه أن يشجع المستثمرين الأجانب لإقامة مشاريعهم في الأردن بهدف الدخول إلى تلك الأسواق..

ومع ذلك.. وللأسف.. لا نجد شيئاً ملموساً على الأرض.. فكل ما نراه ليس إلا دراسات وأفكاراً وأمنيات.. بينما نجد دولاً أخرى لا تملك جزءاً بسيطاً مما نملكه.. ومع ذلك تستقطب الاستثمارات.. بل إنها تستقطب حتى بعض الاستثمارات التي نشأت في الأردن.. أي أننا أصبحنا لا نحافظ حتى على من بدأ عندنا..

ولا يمكن التغاضي عن هاجس الأمن الذي يشكل عائقاً في بعض الأحيان.. إذ يجب أن نطمئن المستثمر إلى أن أمواله واستثماراته لن تكون عرضة لمخاطر غير متوقعة.. دون أن نغفل عن تحديات مثل غسل الأموال.. والتي تحتاج إلى منظومة رقابية صارمة تحول دون وقوعها.. دون أن تصبح هذه الإجراءات حاجزاً أمام المستثمر الجاد..

في هذا السياق.. يمكننا أن نستفيد من التجربة السنغافورية كأحد النماذج الريادية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية.. سنغافورة.. تلك الدولة الصغيرة.. التي لا تمتلك موارد طبيعية تذكر.. نجحت في تحويل نفسها إلى مركز استثماري عالمي.. من خلال اتباع سياسات استباقية ذكية.. فقد وضعت قوانين صارمة وشفافة لمكافحة غسل الأموال.. دون أن تشكل هذه القوانين عائقاً أمام المستثمرين الموثوقين.. بل اعتمدت على تكنولوجيا متقدمة.. لتحليل البيانات.. وتعزيز الشفافية.. وأطلقت منصات إلكترونية.. لتسهيل الإجراءات.. وتقليل التعقيدات البيروقراطية.. كما أنشأت بيئة ضريبية مشجعة.. وأولت اهتماماً كبيراً بتأهيل المسؤولين.. ليكونوا على دراية كاملة باحتياجات المستثمرين.. وطرق التواصل معهم.. ولم تهمل الجانب الأمني.. حيث وفرت منظومة أمنية شاملة.. جعلت المستثمر يشعر بالأمان على أمواله.. ومشاريعه.. دون أن يشعر بالتقييد.. أو الترهيب..

من هنا أجد أن هناك حلقة مفقودة.. لكي يكتمل العِقد.. فهل هي غائبة عن صانع القرار؟!.. أم أنها غُيِّبت ولا نستطيع إيجادها؟!.. ربما هي منظومة التشريعات التي تحتاج إلى تحديث يواكب العصر.. أو السياسات التي تحتاج إلى مرونة ووضوح.. وربما الأشخاص المعنيون بعملية الاستقطاب.. إذ يجب أن يكونوا على قدرٍ عالٍ من التأهيل.. والقدرة على التواصل مع المستثمرين بلغتهم.. ووفقاً لاحتياجاتهم..

الحلقة المفقودة قد تكون في ضمان البيئة الاستثمارية المتكاملة.. حيث الأمان التشريعي.. والإداري.. والسياسي.. وحيث توجد منظومة تتابع وتراقب وتسهّل.. دون أن تعرقل.. منظومة تستند إلى العِلم والمعرفة.. وتضع مصالح الوطن والمستثمر في كفة متوازنة.. فلا مجال للتساهل مع التحديات التي تعيق الاستثمار.. ولا مجال للاستمرار في إدارة الأمور بطرق تقليدية.. لم تعد مجدية في عالم يتسارع بخطى ثابتة نحو التنافسية..

الخلاصة إن استعادة الحلقة المفقودة.. تتطلب منا الاعتراف بوجودها أولاً.. ثم البحث عنها بجرأة وجدية.. لأن فقدانها.. لا يعطل فقط الجهود.. بل قد يعيدنا خطوات إلى الوراء.. في وقت نحن بأمسّ الحاجة فيه إلى التقدم بثبات..