فرص الأردن في سوريا الجديدة

 

يمتلك الأردن العديد من المقومات التي تؤهله للعب دور محوري في الملف السوري، فهو يتمتع بخبرات واسعة على المستويين التنظيمي والمؤسسي، إضافة إلى استراتيجيات راسخة وبنية تحتية قادرة على تقديم الدعم اللازم، وفقًا لما قاله خبير التطوير الإداري الدكتور علي الحجاحجة.

وأضاف لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن سوريا تواجه وضعًا حرجًا نتيجة التدمير الشامل الذي طال بنيتها التحتية منذ عام 2011، وهذا الواقع يضعها في موقف تحتاج فيه إلى شراكات جادة ومساعدات عاجلة لإعادة بناء الأساس الذي انهار بفعل الصراع الطويل، وهنا تظهر الحاجة الملحّة إلى تعاون وثيق بين البلدين، وهو تعاون يمكن أن يستند إلى عوامل التقارب الجغرافي والديموغرافي بين الأردن وسوريا.

من جهة أخرى، أوضح الحجاحجة أن تجربة الأردن مع اللاجئين السوريين تعكس نموذجًا يُحتذى به في حسن الجوار والإنسانية، ووجود أكثر من مليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري على الأرض الأردنية، كانوا قد تلقوا معاملة طيبة واحتضنوا من قبل الشعب الأردني، يُعد نقطة انطلاق لبناء جسور من الثقة والتعاون المستقبلي، كما أن عودة اللاجئين إلى بلادهم ستسهم في تعزيز هذه الروابط، كما ستشكل عاملًا مساعدًا في عملية إعادة الإعمار من خلال ما اكتسبوه من خبرات أثناء فترة لجوئهم.

وعلى الرغم من هذه الإمكانيات والفرص، نوّه إلى ضرورة الحذر في التعامل مع الوضع الراهن في سوريا، فما تزال الأمور غامضة، والمشهد السياسي والاجتماعي يمر بمرحلة مخاض عسيرة، لذلك، من الحكمة أن يبني الأردن خطواته على رؤية استراتيجية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار كافة المتغيرات الإقليمية والمحاذير المرتبطة بها.

وأكد الحجاحجة أهمية تحضير الأردن لملفاته جيدًا استعدادًا للتعامل مع التطورات في سوريا، حتّى يكون جاهزًا فور اتضاح الصورة واستقرار الأوضاع، فهذه الجاهزية تُعد ضرورة استراتيجية، خاصة إذا استحضرنا تجارب سابقة مرّ بها الأردن ولم تُستثمر بالشكل الأمثل.

على سبيل المثال، الأزمات التي شهدتها دول مثل العراق وليبيا لم يتمكن الأردن خلالها من استغلال الفرص المتاحة بما يحقق مصالحه الوطنية، بل على العكس، ترك المجال لدول أخرى، بل دولة بعينها، لتتقدم وتأخذ زمام المبادرة، ما أضاع فرصًا حقيقية للتعاون والشراكة.

أما اليوم، فالوضع يختلف، وصول وزير الخارجية الأردني كأول مسؤول عربي إلى سوريا يمثل رسالة سياسية واضحة بأن الأردن يعيد ترتيب أولوياته ويستعد لدور أكثر فعالية، ولكن، هذا لا يكفي، على المؤسسات الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية، والعسكرية، والأمنية في الأردن أن تبدأ الآن بوضع خطط استراتيجية مدروسة لعقد شراكات مستدامة مع سوريا، بحيث تكون جاهزة للتحرك فور استقرار الوضع الأمني والسياسي هناك.
إن الأردن معنيٌّ بما يحدث في سوريا لأنه يتأثر بشكل مباشر بالأوضاع فيها، سواء إيجابًا أو سلبًا. عانى الأردن كثيرًا خلال السنوات الماضية بسبب تداعيات الأزمة السورية، بدءًا من مشاكل التهريب على الحدود الشمالية، مرورًا بتعامل النظام السوري السابق مع مواطنيه وسكانه، وصولًا إلى استقباله لأكثر من مليون وثلاثمائة ألف لاجئ سوري، تحمل أعباءهم الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لما قاله الحجاحجة.

وذكر أنه قبل الحديث عن إعادة الإعمار والاستفادة الاقتصادية، يجب أن تكون هناك علاقات جيدة ومستقرة بين الأردن وسوريا، فالأردن معنيٌّ برؤية سوريا كدولة مزدهرة ومستقرة، لأن ذلك ينعكس مباشرة على أمنه واستقراره، إذ إن العلاقة مع سوريا أكثر من مجرد مسألة جغرافية، حيث تمتد الحدود بينهما لمسافة 360 كيلومترًا، بل هي علاقة استراتيجية شاملة.
وحتى في ظل النظام السوري السابق بكل سوءه، كان الأردن حريصًا على منع حدوث مجاعة في الداخل السوري أو انهيار اقتصادي، رغم العقبات التي وضعها النظام السابق، مثل منع دخول السلع الأردنية، ومع ذلك، استمر الأردن في تقديم المساعدات ضمن إطار المنظومة العربية، مراعيًا الاحتياجات الإنسانية للمواطن السوري، وحريصًا على عدم انهيار المنظومات الصحية والاقتصادية هناك.

اليوم، مع ظهور منظومة جديدة في سوريا، يحمل الأردن فرصة لإعادة صياغة العلاقة على أسس جديدة تقوم على التعاون والشراكة. وعلى الأردن أن يستثمر هذه الفرصة بحكمة، لضمان تحقيق استقرار مستدام في سوريا، بما يعود بالنفع على كلا البلدين.

لقد شهدنا سابقًا كيف أن الأردن، عند فتح الحدود مع سوريا، بادر بمد خط كهربائي لإضاءة المناطق الحدودية السورية، في خطوة تعكس التزامه بدعم جيرانه. اليوم، سوريا تعاني من انهيار مؤسساتها بشكل كبير نتيجة الحرب، وهي بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل هذه المؤسسات. الأردن، بدوره، يمتلك الخبرات والقدرات اللازمة للمساهمة في هذا الجانب، بما يعزز من فرص التعاون المستقبلي.