العلاقة الأردنية مع سوريا الجديدة
د. رامي عياصره
تفاجأ الجميع بسرعة سقوط نظام الأسد بعد عقود من الاستبداد و13 سنة من الاقتتال الداخلي الذي أنهك سوريا تماما ودمّر مقدراتها وقتّل وهجّر نصف الشعب السوري .
نحن اليوم أمام سوريا جديدة ، تحتاج لفترة من الهدوء والوئام الداخلي لتتمكن من لملمة جراحها، وهذا يحتاج الى مساعدة المجتمع الدولي ودول الاقليم بالذات المحيطة بها.
ترك نظام الأسد سوريا وسط شبكة معقدة من التحالفات والتداخلات و دفع بسوريا الدولة والشعب في صراعات لا مصلحة له بها، وانما كانت مصلحة للنظام المستبد نفسه، وكانت النتيجة بالنهاية أنه سقط فجأة بعد تخلي الجميع عنه في لحظة استراتيجية فارقة ظروف وسياقات معركة طوفان الأقصى، وشكلت متتالية استراتيجية ربما لا تقف عند هذا الحد.
سوريا الجديدة اليوم تعيش آثار تلك التداخلات وتضارب المصالح والتحالفات التي ورثتها عن النظام المخلوع، وكل طرف دولي واقليمي يبحث عن مصالحه سواء من بقي مؤمنا بضرورة زوال نظام الأسد مثل تركيا وقطر أو من كان يسعى لإعادة تأهيله مع محاولة سحبه من الوصاية الإيرانية كباقي الدول العربية مثل مصر والامارات والجزائر و الأردن .
ايران لها موقف وحسابات مختلفة، و روسيا كذلك، ولا ننسى التواجد العسكري الامريكي شرق سوريا.
ضمن خارطة المصالح يتفق الجميع – باستثناء ايران وربما غيرها - على ضرورة استعادة سوريا الجديدة حالة الهدوء والاستقرار واعادة بناء دولة سورية مركزية تستند على مؤسسات قوية وقادرة على إبقاء سوريا موحدة بعيدة عن التقسيم والتفتيت، وبنظام سياسي ديمقراطي تعددي غير طائفي يجمع كل ابناء الشعب السوري ويحقق العدالة الانتقالية .
الأردن الجار الأقرب الى سوريا موضوعيا وتاريخيا، والامتداد والتداخل الجغرافي والديمغرافي كبير وعميق، كان خلال الفترة السابقة تحدي كبير، واليوم بعد سقوط النظام المخلوع بات يشكل فرصة أمام السياسة الأردنية في التعاطي مع سوريا الجديدة.
أود التذكير قبل كل شئ بأن النظام المخلوع لم يكن يوما صديقا للأردن، سواء على عهد الأسد الأب أو الأبن، وثمة شواهد كثيرة لاداعي لاستعراضها الآن، وصلت في مراحل معينة الى حد التحشيد العسكري على حدود الأردن، بل ودخول الأراضي الأردنية عسكريا تحت وقع التهديد.
بمعنى أن أي نظام جديد سيقوم في سوريا فهو بالنسبة للأردن مكسب اذا ما أدارت الدبلوماسية الأردنية ملف العلاقة بناء على حسن الجوار والاحترام المتبادل، وتحقيق المصالح المشتركة التي يسعى كل طرف في المنطقة لتحقيقها.
مع اللحظة الأولى لسقوط النظام المخلوع تحققت للأردن مصالح عدة منها انتهاء حرب تهريب السلاح والمخدرات والكبتاغون التي كان يقودها ماهر الأسد، والتي ارهقت جيشنا العربي على مدار السنوات الاخيرة وأقلقت راحتنا، والمكسب الآخر هو زوال الوجود الايراني عن حدودنا. كل هذا تحقق بمجرد سقوط النظام المخلوع.
بالدرجة التالي ثمة جملة من المصالح الأردنية منها فتح العلاقات التجارية والاقتصادية، خاصة بعد ظهور مؤشرات بالتوجه الأمريكي بإلغاء العقوبات على سوريا، وانتهاء العمل بقانون قيصر الذي تضرر منه الأردن كثيرا. بالإضافة الى المشاركة الأردنية في ملف أعادة الإعمار، ولا يخفى أن هذا الملف هو مجال تنافس اقليمي أيضاً.
ربما يتخوف الأردن من شكل النظام السياسي قيد التشكل في سوريا الجديدة، ولكن باعتقادي أنّ هذا التخوف لا يعالج بممارسة الضغط وفرض الوصاية على خيارات الشعب السوري، وانما بمساعدته وتحفيزه على استيعاب كل أطراف المعادلة السورية مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ أي نظام سياسي سيتشكل يحتاج الى بيئة عربية واقليمية، بل ودولية ليتمكن من أخذ دوره الفاعل والنهوض بالدولة السورية، أهم ما في الموضوع أن يكون نظاما ديمقراطيا تعدديا يحفظ مصالح وهوية و كرامة الشعب السوري الشقيق بعد كل ما عاناه من قتل وتعذيب وقمع ممنهج تحت الحكم المخلوع.
لعل احدى الهواجس التي تسكن عقول السياسيين اليوم تجاه سوريا الجديدة هو تموضعها ضمن خارطة التحالفات الدولية والاقليمية، خاصة بعد أن خرجت من المحور الروسي - الايراني في المنطقة، البعض يتحدث بأنها بالمقابل باتت تشكل مثلث تحالف " سني " جديد، يتمثل في سوريا وتركيا وقطر.
ربما يكون هذا التصور صحيح، وهناك مؤشرات تدل عليه، ولكن وبدلاً من الاسترسال في حالة التخوف وأهدار المصالح لماذا لا نفكر بكيفية التعامل مع الواقع السوري الجديد؟ ونقدر مدى تقاطع مصالحنا مع هذا التحالف الجديد، ونعمل على فتح علاقات قوية لتأمين التخوفات والتعامل معها بمرونة؟
الأردن دولة مستقرة، ولها مصالحها، ولحفظ تلك المصالح لا أعتقد أنها يجب أن تتطابق برؤيتها مع غيرها من الدول العربية الأخرى تجاه سوريا الجديدة، زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب أن تتلوها خطوات.