موقف مؤلمٌ آلمني

 

د. عبدالله الطوالبة

كنت أقود سيارتي، في شارع الحرية الرئيس، في منطقة المقابلين. توقفت أمام إشارة مرور أشهرت اللون الأحمر، أمام حركة السير. في الأثناء تقدم نحوي شاب يتقدم بطنه صحن واسع أشبه بسدر منسف متوسط الحجم، مشدود من طرفيه إلى رقبته من الخلف برباط، وتتناثر فيه قطع بسكويت مبكتة وعلكة وما شابه. بادرني من فوره بالقول: "يا عمي اجبر بخاطري، أنا مهندس". كان وقع الكلام ثقيلًا، ولم تدعني الإشارة أن أبتاع منه شيئًا، حيث أضاء الأخضر، وأي تأخير ولو لثوانٍ سيقابل بعاصفة من زوامير المحروقة بصلتهم. غادرت المكان، وكلي تصميم على العودة إليه. قضينا حوائجنا بأقل من ساعتين، وعدنا إلى المكان، وكم سررت عندما شاهدته في طرف الشارع شاردًا بنظره جهة الشرق. ركنت السيارة في طرف الشارع المقابل، وترجلت منها وأشرت إليه بيدي، لكنه لم ينتبه. كانت الإشارة خلفي تحجز السيارات مما شجعني على قطع نصف الشارع باتجاهه، حتى بلغت الجزيرة الوسطية. انتبه لي، فأشرت إليه بيدي، وهرول نحوي وتبعني صوب السيارة. 
نقدته "اللي فيه النصيب"، كما نقول في دارجتنا، ودعاني أن آخذ المقابل مما يحمل. تناولت بسكويتة صغيرة واحدة، لكنه أصر على أن أزيد عليها، فأخذت الثانية مع أنني لست بحاجة إلى الإثنتين، ولكن لكي لا تنخدش كرامته ويداخله شعور بأنني أتعامل معه كمتسول. 
سألته العزيزة أم ليث: ما تخصصك الهندسي؟
فأجاب: ماجستير في هندسة (...). تخصص حديث، فرضته تحولات العصر في التكنولوجيا الدقيقة، وقال إنه من محافظة أردنية جنوبية. وأردف بنبرة حزينة مؤلمة: أعمل ما ترون ولا أمد يدي لأحد". 
عند هذا الحد انتهى الكلام، فغادرنا المكان وتركناه وقد اجتاحتني عاصفة من التساؤلات بشأنه: أين يقيم، وكيف يقضي يومه، وماذا يأكل، وهل انطفأت بداخله شعلة الأمل، وكم العدد الفعلي لضحايا وحش البطالة في ديرتنا الأردنية، وما العمل...؟!!! 
ليفكر كل من يقرأ سطورنا أن هذا الشاب ابنه. 
لم ألحظ في ذلك الشاب من أسلوبه بالحديث وهيئته، أنه يفتعل ذلك لاستدرار العواطف. ومع غياب الحلول، وعدم وجود بوادر تلوح في الأفق بهذا الإتجاه، نقول على طريقة جداتنا: ربنا يستر من آخرتها، وإن شاء الله تكون العواقب سليمة !