أسئلة شائكة حول الدولة السورية الجديدة

قال الخبير الأمنيّ والعسكري الدكتور عمر الرداد إننا اليوم أمام مرحلة غير مسبوقة في تاريخ سوريا المعاصر، تتسم بتعقيداتها وتداخلاتها التي تجعل من رسم صورة واضحة للمستقبل أمرًا شديد الصعوبة.

وأوضح الرداد في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه من المبكر إصدار أحكام قاطعة على مآلات هذه المرحلة، إلا أن الملامح الأولية تشير إلى خطاب مزدوج يتسم بالحداثة والمدنية، يسعى إلى تهدئة الداخل السوري من جهة، والتوجه برسائل تطمينية إلى الغرب من جهة أخرى، مضيفًا أن هذا الخطاب يركّز على قضايا حساسة تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، والدستور المستقبلي لسوريا، فضلًا عن تقديم تطمينات للمجتمع الدولي بخصوص طبيعة النظام القادم.

في الداخل، يبدو هذا الخطاب موجهًا إلى مختلف المكونات السورية، في محاولة لاستيعاب التعددية الطائفية والعرقية التي تميز سوريا، لكنه في الوقت ذاته يُثير قلقًا لدى بعض الأطراف التي تخشى أن يكون هذا النهج مجرد تغيّر في الشكل لا في المضمون، وقد عبّر السوريون عن هذه المخاوف من خلال مظاهرات حاشدة في ساحة الأمويين، طالبوا فيها بإقامة دولة مدنية حقيقية تضمن حقوق الجميع، بعيدًا عن أي هيمنة طائفية أو أيديولوجية.

على الصعيد الدولي، لا تزال اشتراطات الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، تمثل حجر عثرة أمام أي تغيير جذري، فعلى الرغم من أن هناك مؤشرات إيجابية تعكس استعداد بعض الأطراف الغربية لاستكشاف رؤية الشرع المستقبلية، إلا أن العقوبات الدولية، مثل "قانون قيصر"، لم تُرفع حتى الآن، كما أن هيئة تحرير الشام، التي يُنظر إليها كامتداد أيديولوجي للشرع، لا تزال مُدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية. هذه العقوبات والإدراجات تمثل عائقًا أمام أي محاولات لإعادة الشرع إلى المشهد الدولي كطرف مقبول سياسيًا، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ونوّه إلى أن الشرع يواجه تحديات معقدة للغاية، تتمثل في ضرورة الإجابة على أسئلة صعبة تتعلق بعلاقاته السابقة مع تنظيمات مثل القاعدة وداعش، ومدى انخراطه في أيديولوجيات متشددة، وهذه التساؤلات تطرح أيضًا علامات استفهام حول الإطار القانوني الذي يستند إليه في المرحلة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل لجنة دستورية ووضع أسس الدولة المستقبلية، ورغم أن هذه الخطوات تبدو في ظاهرها إيجابية، إلا أن هناك من يتساءل عن شرعية الشرع في اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية، ومنحه صلاحية اختيار رئيس وزراء للمرحلة الانتقالية، وصياغة رؤية للحكم في سوريا الجديدة.

وذكر الرداد أن الداعم الأبرز للشرع في هذه المرحلة هو تركيا، التي تقدم له غطاءً سياسيًا وإعلاميًا واسعًا، ما يشير إلى إمكانية تأسيس نموذج جديد في سوريا يجمع بين الدين والعلمانية، ومع ذلك، فإن مفهوم "الإسلام العلماني"، الذي يُثار في هذا السياق، يواجه تحفظات كبيرة، فالنموذج الذي قد ينشأ بقيادة الشرع يختلف تمامًا عن النماذج الإسلامية المدنية في دول مثل إندونيسيا وماليزيا، أو حتى عن النموذج التركي الذي يستند إلى مرجعية صوفية، وفي المقابل، يرتبط مشروع الشرع بمرجعيات أيديولوجية متشددة مستمدة من الفكر الحنبلي والوهابية، وهي مرجعيات عُرفت بانغلاقها وتشدّدها.

وأكد الرداد أن هذا التناقض تجلى بشكل واضح في مقابلة الشرع الأخيرة مع "بي بي سي عربي"، حيث تجنب الإجابة بوضوح عن قضايا جوهرية مثل حقوق المرأة، والحجاب، والخمر، وغيرها من المواضيع التي تعكس مدى التزامه بمفاهيم الحداثة والمدنية.

وتابع قائلًا إن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة على أكثر من صعيد، خاصة مع اقتراب تشكيل اللجنة الدستورية التي ستُكلَّف بصياغة دستور جديد لسوريا، إذ إن هذه اللجنة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشرع على تحقيق تمثيل شامل لجميع مكونات المجتمع السوري، ومدى نجاحه في بناء نظام جديد يبتعد عن النموذج الأحادي الذي سيطر على سوريا لعقود طويلة.

وذكر الرداد أن الشعب السوري، الذين ثار منذ عام 2011 ضد هيمنة الحزب الواحد والطائفة الواحدة، يتطلع اليوم إلى نظام يعكس تطلعاتهم بدولة مدنية تعددية تحتضن جميع مكونات الطيف السوري.

ولفت الانتباه إلى أن السيد أحمد الشرع أمام اختبار شديد الصعوبة، لا سيما في ظل خلفيته المثيرة للجدل وعلاقاته السابقة مع تنظيمات متطرفة، ونجاحه في هذه المرحلة يعتمد بشكل كبير على قدرته على مواجهة التحديات بجرأة، وطرح مشروع يُلبي تطلعات السوريين في بناء دولة حديثة، وفي الوقت ذاته ينجح في إزالة المخاوف الدولية والإقليمية، لتكون الأشهر القادمة بذلك حاسمة في رسم ملامح هذا المشروع، وفي تحديد ما إذا كان بإمكان الشرع أن يكون رمزًا للتغيير الحقيقي، أم أنه سيظل عالقًا في إطار الموروثات التي تُقيّد طموحات سوريا الجديدة.