الاستقرار الإقليمي والأردن: فرص ما بعد سقوط الأسد وتحدياتها

 

محمد صبيح الزواهرة 

مع تآكل سلطة النظام السوري، تبرز فرص الأردن في لعب دور سياسي فاعل لتعزيز الاستقرار الإقليمي، إذ يعكس الوضع السوري تحولات عميقة في توازن القوى داخل الشرق الأوسط. في هذا السياق، يمتلك الأردن العديد من الأدوات المؤثرة التي تمكنه من التأثير في مجريات الأحداث ومساعدة الأطراف المختلفة في صياغة مستقبل سوريا.

البعد السياسي: دور الأردن في صياغة المستقبل السوري

• جهود جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز الاستقرار الإقليمي

يمتلك الأردن مكانة خاصة في النظام السياسي الإقليمي بفضل علاقاته الممتدة مع القوى الكبرى والمؤسسات الإقليمية والدولية، من الغرب إلى الشرق. في مرحلة ما بعد الأسد، يصبح الأردن شريكًا مركزيًا في أي عملية سياسية تسعى إلى تحقيق الاستقرار في سوريا.

فالأردن قادر على لعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة: النظام السوري من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى، بالإضافة إلى القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى التأثير في مستقبل سوريا. من خلال العلاقات الوثيقة التي يمتلكها مع الأطراف الغربية، يمكن للأردن تقديم ضمانات سياسية تعزز الثقة في الحلول السياسية التي تخدم مصالح الأطراف المتعددة.

وفي الوقت نفسه، يمكنه تعزيز التنسيق مع القوى الإقليمية مثل تركيا ودول الخليج من أجل تقليل التوترات وحشد الدعم لحلول سياسية تستند إلى التوازن السياسي.

• إعادة سوريا إلى النظام العربي والدولي

مع تآكل النظام السوري الحالي، تبرز حاجة ملحة لعودة سوريا إلى المحيط العربي والدولي، لا سيما في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة. الأردن، الذي تربطه علاقات قوية مع الجامعة العربية والأمم المتحدة، يملك دورًا رئيسيًا في تسهيل عودة سوريا إلى المجتمع العربي والدولي بعد سنوات من العزلة.

إن إعادة دمج سوريا في الجامعة العربية ومنظمات المجتمع الدولي سيقلل من النفوذ الخارجي ويسهم في توحيد الجهود لتحقيق الاستقرار السياسي، وهو ما ينعكس إيجابيًا على دول الجوار، مثل الأردن.

الأردن بإمكانه أن يلعب دورًا محوريًا في دفع الأطراف الإقليمية نحو التعاون، مما يعزز من أمن واستقرار المنطقة ويحد من التدخلات الخارجية التي زادت من تعقيد الأزمة السورية.

• الأردن ودوره في ضمان استقرار الجنوب السوري

تعد الحدود الجنوبية مع سوريا منطقة ذات حساسية بالغة، حيث يمكن أن تشكل تهديدات أمنية كبيرة إذا لم يتم إدارتها بحكمة. في مرحلة ما بعد الأسد، يصبح الأردن ملزمًا بضمان استقرار الجنوب السوري كمدخل حيوي للحفاظ على الأمن الوطني.

من خلال التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية، يمكن للأردن أن يلعب دورًا رئيسيًا في تثبيت الأمن في الجنوب السوري، سواء عبر المساعدة في تشكيل مناطق تخفيف التصعيد أو من خلال نشر قوات لحفظ الأمن.

وهذا الدور لا يعزز فقط من أمن الحدود الأردنية، بل يدفع نحو تحقيق استقرار شامل للمنطقة.

البعد الاقتصادي: استثمار الفرص في مرحلة ما بعد الأسد

الفراغ الذي سيتركه سقوط النظام السوري سيمثل فرصًا اقتصادية كبيرة للأردن، خصوصًا في ظل حاجة سوريا الماسة إلى إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. الأردن، بفضل موقعه الاستراتيجي وقدراته الاقتصادية، يمكنه أن يكون المحور الأساسي لتدفق الاستثمارات والمشاريع التنموية في سوريا.

• فرص إعادة الإعمار والاستثمارات في سوريا

مع انهيار النظام، ستحتاج سوريا إلى جهود هائلة لإعادة بناء بنيتها التحتية، من مشاريع الطاقة والمياه إلى البنية التحتية الحيوية مثل الطرق والموانئ. الأردن، الذي يمتلك خبرة طويلة في قطاعات البناء والبنية التحتية، يمكن أن يكون شريكًا استراتيجيًا في هذه العملية.

الشركات الأردنية التي تمتلك الخبرة والقدرة على الاستثمار في قطاعات الإعمار والبنية التحتية يمكن أن تلعب دورًا بارزًا في توفير الدعم اللازم لسوريا، وهو ما يعزز من المصالح الاقتصادية للأردن.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الأردن بوابة لتدفق الاستثمارات والمساعدات الدولية، مما يعزز دورها الإقليمي كمركز لتجميع رأس المال والمساعدة الإنسانية.

• التعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة

مع استقرار الأوضاع في سوريا، يتوقع أن تعود الأمور تدريجيًا إلى حالة من التبادل التجاري والنشاط الاقتصادي. الأردن، بفضل موقعه الاستراتيجي قرب الحدود، يمكن أن يكون نقطة عبور إقليمية للتجارة والنقل من سوريا إلى بقية العالم.

فتح المعابر التجارية، وتقوية الشراكات الاقتصادية مع الدول المجاورة، مثل العراق ولبنان، سيمثل فرصة لتوسيع التجارة وزيادة حركة البضائع، ما يسهم في تخفيف التحديات الاقتصادية للأردن ويعزز من وضعه كمركز إقليمي للتجارة.

• تقوية دور الأردن كحلقة وصل بين الأسواق الإقليمية والدولية

في المرحلة ما بعد الأسد، من المتوقع أن يكون هناك تدفق كبير للمساعدات والاستثمارات، مما يعزز من حضور الأردن كحلقة وصل بين الأسواق الإقليمية والدولية.

بفضل علاقاته القوية مع المؤسسات الدولية، يمكن للأردن أن يستقطب رؤوس الأموال الأجنبية ويعمل على جذب الاستثمارات المباشرة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا.

إضافة إلى ذلك، تعزيز العلاقات التجارية مع الأسواق الخليجية والأوروبية سيمكن الأردن من الاستفادة من الفرص الاقتصادية الناتجة عن إعادة الاستقرار في سوريا.

التحديات التي تواجه الأردن

على الرغم من الفرص التي تلوح في الأفق بعد سقوط الأسد، يواجه الأردن مجموعة من التحديات التي قد تعيق تحقيق هذه الفرص وتحقيق الاستقرار في المنطقة. من بين أبرز هذه التحديات:

• الضغوط الأمنية والحدود المفتوحة

يمثل استقرار الجنوب السوري تحديًا أمنيًا بالغ الأهمية، خاصة مع استمرار النفوذ الإيراني والميليشيات المدعومة من قوى إقليمية. بقاء الجماعات المتطرفة في المناطق الحدودية يهدد الأمن الأردني، ويضع ضغوطًا إضافية على القوات الأردنية لتعزيز السيطرة وتأمين الحدود، وهو ما يتطلب تنسيقًا إقليميًا ودوليًا لتحقيق استقرار مستدام.

• الصراعات الجيوسياسية الإقليمية

مع تدخل القوى الإقليمية والدولية في الشأن السوري، تواجه الأردن تحديات في الحفاظ على سياسة متوازنة وفعّالة دون الدخول في صراعات نفوذ قد تعيق مساعيه السياسية والاقتصادية.

من الصعب الحفاظ على دور الوسيط عندما تتنافس القوى الكبرى على التأثير في الوضع السوري، وهو ما يتطلب من الأردن إدارة دبلوماسية متوازنة وحكيمة لتجنب الوقوع في معادلات تتناقض مع مصالحه.

• التحديات الاقتصادية الداخلية

الأزمة السورية، التي استمرت لعقود، ألقت بثقلها على الاقتصاد الأردني، حيث تحملت المملكة أعباءً اقتصادية كبيرة تمثلت في استضافة اللاجئين وتكاليف الأمان. الآن، مع مرحلة ما بعد الأسد، يواجه الأردن تحديات في كيفية جذب الاستثمارات الخارجية وضمان توفير بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمار في ظل قلة الموارد وعدم الاستقرار السياسي في بعض الأحيان.

• التوقعات الدولية والداخلية الضاغطة

المجتمع الدولي ينظر إلى الأردن كفاعل رئيسي في تحقيق الاستقرار في المنطقة، مما يجعله عرضة لضغوط كبيرة، سواء من حيث تقديم الحلول أو الاستجابة للتطورات الإقليمية. في الوقت ذاته، هناك توقعات داخلية لتلبية احتياجات الأردن الاقتصادية والاجتماعية في ظل استمرار الأزمة، مما يجعل الحكومة عرضة لتلبية مطالب داخلية في بيئة مشحونة بالتحديات.

بالتالي، في مواجهة هذه التحديات، يجب أن يتحلى الأردن بالمرونة الدبلوماسية، والقدرة على إدارة توازن المصالح، لضمان تحقيق استقراره واستقرار المنطقة في المرحلة القادمة. الأردن يمتلك فرصًا سياسية واقتصادية كبيرة للاستفادة من التحولات في سوريا وتحقيق مصالحة الوطنية، ولكن ذلك يتطلب استراتيجية متكاملة قادرة على التعامل مع التعقيدات الإقليمية والداخلية.