قطاع التأمين.. إلى أين؟

 

سلامة الدرعاوي
حتى عام 2022 كان عدد الشركات العاملة في قطاع التأمين في الأردن 23 شركة، ومنذ ذلك الحين تمت تصفية 3 شركات منها وإيقاف شركتين أخريين عن الاكتتاب نتيجة لأوضاعهما المالية السيئة، وعلاوة على ذلك فإن أربع شركات أخريات تعاني من هوامش ملاءة أقل من الحد الأدنى المطلوب رقابياً، وذلك طبقاً لتقرير صادر عن البنك المركزي للعام 2022.

حين نتحدث هنا عن 30 % من شركات التأمين، والتي تتراوح حالاتها بين التصفية والأوضاع المالية الصعبة، أي ثلاثة من بين كل عشر شركات، وهذه برأيي نسبة مخيفة يجب الوقوف على أسبابها وتداعياتها.

ولو بدأنا بالتداعيات، فنحن نرى ونسمع بين الحين والآخر قصص ضياع حقوق المواطنين والمماطلة في سداد التعويضات، ومستويات الخدمة المتدنية التي يعاني منها أغلب عملاء هذه الشركات، ذلك بالإضافة إلى تداعياتها على الموظفين، فيكفي أن نقول إن قطاع التأمين يشغل أكثر من 2800 شخص، حيث إن الكثير منهم فقد وظائفهم بالفعل نتيجة تصفية تلك الشركات، في حين ان انهيار المزيد من الشركات سيؤدي حتماً إلى فقدان المزيد منهم لوظائفهم؛ وبالتالي زيادة نسبة البطالة. أما الأسباب، فأهمها اعتماد الكثير من شركات التأمين على تأمين المركبات الإلزامي، والذي يعاني من تشوهات خطيرة جداً، وذلك لأن جميع مدخلات وتسعير هذا النوع من التأمين يأتي من خارج قطاع التأمين وأهمها أقساط التأمين والتي تحددها الحكومة، واللجوء مباشرة إلى القضاء دون مراجعة شركات التأمين، وتقارير العجز الصادرة عن وزارة الصحة، وتقارير الخبرة أمام المحاكم، وأسعار القطع والإصلاح، وكلف علاج المصابين من حوادث المركبات لدى الأطباء والمستشفيات، وعمليات شراء الكروكات من قبل سماسرة الحوادث وغيرها.
تشير الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأردني لشركات التأمين أن تأمين ضد الغير يشكل ما نسبته 25 % من إجمالي أقساط التأمين في الأردن بواقع 189 مليون دينار في عام 2023، ثلاث شركات فقط يشكل هذا الفرع ما نسبته 25 % أو أقل من إنتاجها، في حين أنه يشكل ما نسبته 40 % أو أكثر لدى نصف الشركات، ويصل إلى أكثر من 50 % لدى بعض الشركات، وهي بالمناسبة نفسها الشركات الموقوفة حالياً عن إصدار العقود. وتظهر بيانات الاتحاد الأردني لشركات التأمين خسائر سنوية لتأمين ضد الغير بما يقارب من 20 مليون دينار، وهذه أرقام متحفظة، حيث إنها لا تشمل نتائج الشركات المتعثرة لآخر سنتين على الأقل حيث لم يتم الإفصاح عنها لغاية تاريخ كتابة هذا المقال.
وفي ظل الخسائر الفادحة لهذا الفرع يمكننا التنبؤ بأنه كل ما ازدادت نسبة التأمين الإلزامي لدى الشركات، كلما سرّع ذلك من تردي وضعها المالي وبالتالي انهيارها الحتمي. مما يدعو إلى المزيد من التشاؤم، أنه كلما انهارت شركة، أو خرجت من السوق، ازدادت حصة الشركات الباقية من التأمين الإلزامي؛ مما يزيد الضغط على أدائها مالياً وخدماتياً.
برأيي، فإن الحل يكمن في نقطتين أساسيتين: الأولى سرعة معالجة الخلل في أسعار التأمين الإلزامي مقروناً برقابة صارمة على الشركات لضمان إيفائها بالتزاماتها بسرعة ويسر، والثانية تشجيع الاندماج والاستحواذ بين الشركات لخلق كيانات قوية قادرة على التعامل مع الزيادة المطردة في تأمين ضد الغير. بالمحصلة، ما يزال ضحايا حالات التعثر والتصفية التي حصلت مؤخراً في سوق التأمين الأردني يعانون. أرجو ألا نكون مقبلين على المزيد من المتضررين غير القادرين على الحصول على التعويضات؛ وبالتالي خلق مشكلة اجتماعية، فلم يفت الأوان بعد أن تحرك البنك المركزي سريعاً.