الرفاعي يحدد الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الأحزاب
عند الحديث عن نسبة المشاركة في الانتخابات فإن الرقم الذي يقترب من 260 ألف صوت يعد كبيرًا مقارنة بإجمالي عدد الناخبين الذي يبلغ مليونًا ونصف المليون لكن لا بد من النظر إلى الأرقام بواقعية وبحسب تقديرات الهيئة المستقلة للانتخاب التي تحتسب ضمن قوائم الناخبين المغتربين وأبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وغيرهم ممن لا تتاح لهم فرصة التصويت بشكل فعلي ومع ذلك فإن نسبة المشاركة التي بلغت اثنين وثلاثين بالمئة ترتفع فعليًا إذا ما تم استثناء هذه الفئات إلى ما يقارب خمسين بالمئة من الناخبين المؤهلين للتصويت وهي نسبة معقولة في ظل الظروف الحالية، وفقًا لما ذكره رئيس الوزراء الأسبق، رئيس لجنة التحديث السياسي، سمير الرفاعي.
وأضاف خلال جلسة نظمها معهد الإعلام الأردني، بعنوان: "تحديث المنظومة.. بانوراما سياسية لعام 2024"، أن المرحلة القادمة من الإصلاح السياسي والانتخابات تمثل فرصة جديدة لرفع نسبة المشاركة نحو مستويات أعلى تصل إلى خمسين أو ستين بالمئة وهو أمر ممكن إذا ما استمرت عملية التطوير والبناء على ما تحقق في المرحلة الأولى التفاؤل موجود لكن ذلك مشروط بتفاعل الأحزاب وقدرتها على تقييم أدائها والعمل بجدية لتصحيح مسارها فالظاهرة الأبرز في هذه الانتخابات أن كثيرًا من الأحزاب لم تراجع نفسها أو تقف عند أخطائها في حين أنه في الديمقراطيات الراسخة عندما يفشل حزب في تحقيق توقعاته يتم تقديم الاستقالات الجماعية من القيادة بدءًا بالأمين العام والمكتب السياسي وإعادة انتخاب قيادة جديدة تتولى إدارة المرحلة القادمة بروح جديدة وأفكار متجددة.
وأشار إلى أن ما حدث أن العديد من المرشحين الذين ينتمون إلى أحزاب لم يترشحوا بوصفهم حزبيين بل ركزوا على هوياتهم الفردية وشعبيتهم الشخصية بدلًا من الإعلان عن انتمائهم الحزبي خوفًا من خسارة الأصوات وهذا يعكس تحديًا كبيرًا أمام فكرة الربط بين الدائرة المحلية والدائرة الوطنية حيث يظهر ضعف الانتماء الحزبي عند البعض إذ كيف يمكن لممثل حزب أن يتبنى مشروعه الوطني إذا كان يخشى إعلان انتمائه أمام قواعده الانتخابية.
ونوّه رفاعي إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في البنية الداخلية للأحزاب ذاتها فهي بحاجة إلى انتخابات ديمقراطية نزيهة داخلية تُفرز القيادات بشكل شفاف بعيدًا عن التعيينات والاختيارات القائمة على المحسوبيات لأن فقدان الثقة يبدأ من الداخل فإذا كان العضو الحزبي نفسه غير قادر على تغيير قيادته داخل الحزب فكيف يمكن للحزب أن يقنع المواطنين بقدرته على إحداث التغيير على مستوى الوطن.
وقال إن التجربة الحزبية في الأردن تمتلك مقومات النجاح، فالقوانين والتشريعات والبنية التحتية السياسية وحتى الأمنية مهيأة لدعم الأحزاب وتحقيق الإصلاح لكن نجاح هذه التجربة يتوقف على قدرة الأحزاب نفسها على استيعاب متطلبات المرحلة والابتعاد عن العقلية القديمة التي تهمش الشباب والمرأة والهيئة العامة للحزب والاعتماد على شخصيات معينة لجذب الأصوات دون النظر إلى الكفاءة والقدرة على القيادة.
وأشار رفاعي إلى أن القائمة الوطنية التي خصصت واحدًا وأربعين مقعدًا لم تكن نتائجها مقنعة للكثيرين فاختيار الأسماء داخل القوائم الحزبية لم يتم وفق أسس ديمقراطية واضحة بل غلبت عليه اعتبارات شخصية وربما حسابات خاطئة داخل الأحزاب الأمر الذي أثّر على ثقة الناخبين بقدرة هذه القوائم على تمثيلهم بشكل حقيقي.
وأكد الرفاعي أم القوانين وحدها لم تكن المشكلة لأن هذه القوانين لم تفترض أن بعض الأحزاب ستلجأ إلى ممارسات خاطئة مثل بيع المقاعد أو اختيار المرشحين وفقًا للواسطة بدلًا من التسلسل الحزبي الصحيح أو حتى النزول في القوائم المحلية بثلاثة مرشحين من ثلاثة أحزاب مختلفة ما يشتت أصوات الناخبين ويضعف ثقتهم في العملية الحزبية برمتها.
وتابع الرفاعي: إذا ما أرادت الأحزاب النجاح في المستقبل فعليها أن تبدأ بإصلاح ذاتها وأن تتبنى أسس الديمقراطية الحقيقية في اختيار قياداتها وبرامجها وأن تعمل على إعادة بناء الثقة مع الشارع الأردني من خلال الالتزام بالشفافية والوضوح في برامجها ومرشحيها عندها فقط يمكن الحديث عن تجربة حزبية ناضجة قادرة على رفع نسب المشاركة وتعزيز الدور السياسي للأحزاب في بناء مستقبل الأردن.
ولفت إلى أن دخول شخصيات برلمانية ذات وزن وثقل سياسي إلى الأحزاب شكل منعطفًا مهمًا في التجربة السياسية الأخيرة، إذ حملت معها خبرات متراكمة وبرامج واضحة لكن هذا الدخول كان بصفته الفردية لا الحزبية ما أفقد المشهد البرلماني صوتًا فاعلًا كان له دور في طرح رؤى بناءة تجاه التحديات الاقتصادية وغيرها. غياب هذه الشخصيات اليوم يثير تساؤلًا جوهريًا حول تأثير ذلك على مستوى الخطاب السياسي ومساراته خلال السنوات الأربع المقبلة.
وقال الرفاعي إن الرئيس كان حاسمًا عندما استدعى بعض هؤلاء الشخصيات إلى الحكومة، مؤكدًا أنهم جاءوا بصفتهم كأفراد يمتلكون خبرة فنية في إدارة ملفات حساسة لا كممثلين عن أحزابهم. هذا التمايز بين الصفة الفردية والحزبية يفتح باب التساؤل: هل يُضعف هذا الأمر حضور الأحزاب أم يمنحها فرصة لتقوية نفسها عبر تجديد استراتيجياتها؟ الإجابة ستتضح مع الزمن.
وبين الرفاعي أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الأحزاب، أنها لم تستطع استقطاب النقابيين، وهم من يمتلكون أدوات العمل الجماعي وخبرة طويلة في إدارة الحملات الانتخابية وإدارة الحراك السياسي. فقد كان العمل النقابي تاريخيًا منبرًا للعمل السياسي عندما كانت الحياة الحزبية مجمدة، وكان للنقابيين دور مؤثر في بناء المشهد السياسي. أما اليوم وبعد رفع القيود عن العمل الحزبي، فإن غياب النقابيين عن المشهد الحزبي يعد خسارة كبيرة؛ إذ يمثلون رافعة تنظيمية وقيادية تفتقدها الأحزاب حاليًا.
ورأى أن هناك حالة مستمرة من الحذر والتوجس لدى قطاعات واسعة من المجتمع تجاه العمل النقابي والحزبي، مستندة إلى ثقافة سائدة ترى أن الدخول إلى هذه المجالات محفوف بالمخاطر أو غير مجدٍ، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل ومعالجة ثقافية مدروسة لتحرير الوعي العام من هذه الأفكار، وفق الرفاعي.
وأوضح الرفاعي أن النقابات المهنية في الماضي حملت عبء العمل السياسي حين غاب العمل الحزبي، واليوم يفترض أن تسير النقابات والأحزاب بتكاملٍ لا تنافر؛ فمن يريد العمل النقابي بإطاره المهني فليبقَ في نقابته، ومن يطمح بدور سياسي عليه أن ينخرط في الأحزاب ويحمل المسؤولية بروح مزدوجة: روح نقابية مهنية في النقابة وروح سياسية حزبية في الحزب. عندها فقط، يمكن للنقابيين أن يشكلوا جسرًا بين العمل النقابي والعمل الحزبي، ويعيدوا الحيوية إلى المشهد السياسي.
وأكد أن السنوات الأربع المقبلة تشكل مفصلًا حاسمًا للأحزاب السياسية، فهي فرصة لاختبار قدرتها على إعادة بناء ذاتها وطرح نفسها من جديد. فالتجربة الحزبية حتى الآن، رغم حداثتها، أفرزت نتائج لا يمكن إغفالها. خلال السنوات الثلاث الماضية، أفضت مخرجات اللجنة الملكية إلى حالة من الحراك الحزبي والحديث عن البرامجية والانتخابات. اليوم، لدينا أولى الثمار عبر انتخابات أظهرت مكامن القوة والضعف في أداء الأحزاب.
وقال الرفاعي إن استثمار هذه المرحلة يتطلب من الأحزاب مواجهة أخطائها بجرأة، وتصحيح مسارها بعيدًا عن العقلية الفردية الضيقة، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية عبر تبني نهج "نحن" بدلًا من "الأنا". فالمطلوب اليوم هو العمل المؤسسي المنظم، وإعادة إنتاج صورة الأحزاب وفق رؤية واضحة وبرامجية تخاطب تطلعات المواطنين وتعزز الثقة بالعمل الحزبي كمنصة للتغيير والإصلاح.
وختم الرفاعي حديثه بالتأكيد على أن الأحزاب مطالبة باستثمار كل يوم من السنوات الأربع المقبلة بجدية ووعي، لأن التحول المطلوب لن يتحقق إلا من خلال نضوج التجربة الحزبية، وبناء قيادات حقيقية تتفاعل مع قضايا الوطن والمجتمع بروح المسؤولية، وتبتعد عن الشخصنة والارتجال. فالطريق طويل، لكن التغيير يبدأ بخطوات واثقة تُبنى على التقييم المستمر والنقد الذاتي الذي يفضي إلى تصحيح المسار وإطلاق مرحلة جديدة من العمل السياسي الناضج.