"الموازنة" في النواب

 

سلامة الدرعاوي

أمام أعضاء مجلس النواب فرصة كبيرة لتأطير حوار اقتصادي رشيد خلال المرحلة المقبلة، وتعزيز ثقة الشارع بهم وبمصداقيتهم في العمل العام، وذلك من خلال مشروع قانون موازنة الدولة لسنة 2025، الذي بات اليوم بين أيديهم لإقراره قبيل نهاية هذا العام على أرجح تقدير.


وبدلاً من جعل نقاشات الموازنة موسماً للصراخ والطلبات المناطقية والخدمية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فلتكن مناسبة للحوار والمساءلة الاقتصادية المبنية على التحليل العميق والإحصاءات الواقعية الدقيقة التي تضمن الوصول إلى المعلومة السليمة والخطط القابلة للتحقق.

هناك الكثير من التحديات التي تواجه مشروع قانون موازنة 2025، والتي تتطلب من النواب المشاركة الفعلية في تحمل المسؤولية للوصول إلى أهدافها وفرضياتها بالشكل الصحيح ودون مخالفتها، لأنه يبقى في النهاية قانوناً ولا يجوز مخالفته أو تجاوزه من أي جهة كانت.
أسئلة عديدة يمكن أن يوجّهها النواب للحكومة حول الموازنة، والتي تعطي دلالات عالية على حس المسؤولية لديهم.
من مسؤولية النواب ومن خلال دورهم الرقابي التشريعي معرفة كيفية التزام الجهاز الحكومي بتنفيذ كامل بند النفقات الرأسمالية التي تم رصدها في القانون، لأنه جرت العادة أن تتنصل الحكومات من تنفيذ الكثير من مشاريع هذا البند تحت مبررات متعددة، وهذا الأمر في غاية الأهمية لأن له دورا رئيسا في تحقيق النمو المستهدف للعام المقبل والمقدر بحوالي 2.5 %.
النواب لديهم الحق الدستوري في متابعة آليات تحصيل الإيرادات العامة والوصول إلى الأرقام المستهدفة في القانون، والأهم من ذلك هو الرقابة الدورية وليست الرقابة الموسمية التي اعتدنا على مشاهدتها في بعض الجلسات، فالأصل أن يكون هنالك اجتماعات شهرية وأسبوعية للتأكد من سير عمليات التحصيل ومعرفة أي عقبات قد تعيق تحقيق المفترض، وبالتالي لا تحدث أي مفاجآت أو تطورات سلبية في بنود العجز المالي. 
والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لبند النفقات الذي هو الآخر بحاجة لتضافر جهود النواب لضبطه قدر الإمكان، لأن غالبية طلبات النواب التي نسمعها في خطاباتهم في الموازنة هي مطالب خدمية تساهم في زيادة العجز والمديونية.
النواب لديهم المقدرة على رقابة الحكومة ووزرائها للتأكد من قدرتهم على إنجاز مشاريع وخطط وزاراتهم بالشكل المطلوب والمستهدف.
مناقشات النواب هي الأساس الصحيح والمكان السليم للخروج من الإطار التقليدي السلبي الذي عاشته هذه المناقشات في المجالس السابقة، والتي أثرت سلباً على جوانب عدة في المجتمع، منها ما هو متعلق بالموازنة ذاتها، وأخرى لها ارتباطات بثقة ونظرة الشارع لتلك المناقشات.
المرحلة الراهنة بتحدياتها الحالية تتطلب حواراً مسؤولاً في الجانب الاقتصادي، فلا يمكن للحكومة وحدها أن تتحمل مسؤولية إدارة المشهد الاقتصادي دون مشاركة رشيدة من مجلس النواب.