زيف البطولة وغياب المثل الأعلى
حسن البراري
في الوقت الذي كان يجب فيه أن نحتفل بالإنجازات الكبرى التي تصنع المستقبل، أصبحنا نعيش في عالم مليء "بالأبطال" الذين قادونا إلى الهزيمة. هؤلاء الأبطال الذين نشاهدهم في الإعلام والسوشيال ميديا، ليسوا إلا تجسيدًا للهزيمة المعنوية. فمنهم من أخذ الشهرة من طريق الجهل أو تضليل الناس أو مزيج بينهما، وآخرون شغفوا بحياة الترف على حساب قيم العمل والإنجاز. هؤلاء الذين لا يملكون سوى كلمات فارغة، يتحدثون عن النصر بينما يسيرون بنا نحو الهزيمة الكبرى، الهزيمة التي لا تأتي من معركة عسكرية، بل من عقول فارغة تُغذى بالأوهام.
من المؤلم أن نرى هؤلاء الأبطال يزدادون انتشارا بينما تتراجع قيم العمل الجاد والابتكار. الهزيمة التي نتحدث عنها هي هزيمة ثقافية واجتماعية. أبطال لم يقدموا شيئًا سوى التفاهة والكلمات السطحية، لكنهم استطاعوا للأسف أن يكونوا قدوة لأجيال لم تعرف معنى الإصرار والتفاني في العمل.
نحن بحاجة إلى أبطال حقيقيين، أبطال صنعوا الفارق في التاريخ، أبطال لم يحققوا النصر لأنهم ظهروا في أضواء الإعلام، بل لأنهم استحقوا النجاح بتفوقهم وعزيمتهم. أما هؤلاء الذين يقودوننا اليوم للهزيمة، فلا يمكنهم أن يكونوا قدوة لأجيالنا وأبنائنا!
بعد الاستقلال، ظنّ العرب أنهم قد تحرروا من نير الاستعمار ليعيشوا حياة من الرفاهية والازدهار، لكن الحقيقة كانت أكثر غرابة. بدلًا من بناء مجتمعات قوية ومتطورة، اختاروا أن يكونوا خبراء في صنع الأزمات. فكأن الاستقلال لم يكن سوى "تذاكر" للوصول إلى مزيد من الفوضى والتنافس على من يقود المنطقة بأكبر قدر من الفشل. الحكام استبدلوا الاستعمار بـ"الاستبداد"، وحملوا شعارات "الوحدة" التي تذكّرهم أكثر بمباريات كرة القدم بين دولهم.
وبينما كان العرب يتنقلون من "الاستقلال" إلى "الفوضى"، كانت النتيجة الطبيعية هي ظهور أبطال مزيفين. هؤلاء الأبطال الذين يروجون لأنفسهم كمنقذين للأمة، بينما هم في الواقع لا يجيدون سوى افتعال الأزمات. يرفعون شعارات البطولة، لكنهم يفتقرون إلى أي إنجاز حقيقي. يملؤون الشاشات بحكايات عن البطولات الوهمية في الحروب السياسية أو الاقتصادية، بينما يتركون شعوبهم غارقين في المشاكل اليومية التي لا تنتهي. هؤلاء "الأبطال" هم أكثر من مجرد صور مبتسمة على أغلفة الصحف، هم الذين يظنون أن النصر يأتي من الوعود الفارغة والخطابات الجوفاء، في حين أن الحقيقة أن الأوطان تئن تحت وطأة أفعالهم.