الغد الأردني...بين الأيدولوجية والواقع

 

د. يزن دخل الله حدادين

السياسة في الأردن تتسم بالتنوع والتعقيد نوعاً ما، وذلك نظراً للتركيبة الاجتماعية والسياسية الخاصة بالمملكة. ويمكن تقسيم الإيديولوجيا السياسية في الأردن إلى عدة مكونات رئيسية أولها الإيديولوجيا الوطنية والملكية، ثانيها الخطاب القومي العربي، ثالثها الإسلام السياسي، رابعها الليبرالية، وآخرها اليسارية. إذن، الإيديولوجيا السياسية في الأردن هي مزيج من عدة تيارات وفكر سياسي، وتختلف الأيديولوجيات بشكل متباين بناءً على تاريخ الأردن، وظروفه الاجتماعية والسياسية، والتحديات الاقتصادية الداخلية، والتأثيرات الإقليمية والدولية.

تجتمع معظم تلك الإيديولوجيات بالاتجاه إلى التركيز على ضرورة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الشاملة لتحسين مستوى معيشة المواطن الأردني. كما يتبنى رُوّادهم السياسات النيوليبرالية مثل الخصخصة، والانفتاح على الأسواق العالمية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي.

لكن ما هو القادم في الأردن؟ الغد أجمل؟ هذه وصفة طبية (سياسية) نسمعها بين الحين والآخر لكنها مجهولة المعالم. ففي عُرف الحكومات غالباً ما يؤجل كل شيء إلى الغد، ومؤخراً تم إقناعنا بأنه حين يتم تشكيل أحزاب قوية سيبدأ الغد الجميل. فهل فعلاً "الغد" في الأردن متروك بوجه الرياح لأفكار تعود بالجميع إلى المربع (صفر)؟

أشرنا في البداية إلى وجود خمسة أيدولوجيات رئيسية في سماء الأردن، وقد يكون هنالك المزيد، لكن هل يوجد أيدولوجيا أردنية جديدة جاري خياطتها ومن شأنها بناء قاعدة صلبة "للغد الجميل"؟ إن إقناع الشباب الأردني بالعمل الحزبي والمشاركة السياسية، في ظل سيطرة عقلية عرفية تزرع الخوف في أذهان الأجيال من المستقبل لا يمكن أن تُنتج شيئًا. فما يقوله العديد من المنظريين السياسيين من أحاديث مُنمّقة يتعارض مع ما يحتاجه الشباب، وهو أمر محزن.  واذا أردنا توصيف المرحلة بشكل دقيق بعيدًا عن الأفكار الخلاصية، من الممكن القول أن الشعب الأردني بشكل عام، وفئة الشباب بشكل خاص، يعيش اليوم بين مرحلتين، مرحلة الشعور العام بالقلق والإحباط ومرحلة السعي الى بناء "غد جميل" يُحقق الطموحات والأحلام. اذاً يعيش الشباب اليوم ما بين مرحلة انتهت (أو يجب أن تنتهي قريباً) إلى مرحلة لم يتم تحديد معالمها بعد.

كان التحول الديمقراطي في الأردن نتيجة منطقية لعوامل عديدة أهمها قيادة مؤهلة على الصعيد التاريخي، تمثلت في هاشميتها وفي حملها لرسالة الثورة العربية الكبرى، وبمؤهلات تمثلت في شعبيتها المتجددة. وهذا يتجانس مع شعب مؤهل لهذا التحول الديمقراطي، بالإضافة إلى انفتاح الأردن على العالم كله عبر الدبلوماسية، والسياسة، والتعليم، والثقافة. أية قراءة حالية للواقع الاجتماعي والسياسي في الأردن ستشير إلى ظهور فئات شبابية بدت وكأنها ساكنة على مدار العقود التي سبقت مرحلة التحول الديمقراطي. ومع التحول الذي طرأ على واقعها الاجتماعي، انتقلت هذه الفئات من السكون إلى المشاركة الفعالة في بناء مجتمع سياسي واقتصادي جديدين  إثر سياسات الدولة القائمة من خلال منظومتي التحديث السياسي والإقتصادي وبرعاية ملكية مباشرة.  في الأردن، قلت كثيراً الأفكار السلبية، وأصبح الجميع يبدي رأيه ومقترحاته، وزاد عدد المهتمين "بالغد الجميل" لكن حجم البطالة لم ينخفض، وحجم الدين العام يهدد المستقبل. أما الشعور بالمشاركة في صنع القرار، فوصل مستويات مرتفعة من حيث الرغبة والإهتمام. وإلى الذين لا يرون خيراً في منظومتي التحديث السياسي والإقتصادي أقول إن من أهم نتائجهما التي ترفض بعض من النخب العلمانية والدينية إدراكها، أن هاتين المنظومتين أظهرتا إفلاس عصر الأيديولوجيات الشعاراتية، وعدم قدرتها على معالجة مشاكل الناس وتكسرت الأيديولوجيا التقليدية، وبذلك انتقلنا إلى مرحلة العمل الجاد.

نعم تطورت الديمقراطية الأردنية على مدار عدة عقود من الزمان، من الديمقراطية النظرية المحدودة إلى ديمقراطية واضحة المعالم في ظل منظومتي التحديث السياسي والإقتصادي. وهو ما يعكس حقيقة أساسية وهي أن النظم السياسية والاجتماعية في الأردن تحتاج إلى وقت للتطور وفقًا لمعايير الشعب وتقاليدها. ونستطيع القول بكل منطق إن الديمقراطية الأردنية بدأت مع الهاشميين وظلت تتطور من خلال الشعب وما نتج عن ذلك توسيع دائرة المشاركة السياسية لكل الطبقات في الأردن  والى التحديث في مختلف عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية، والمؤسسات والعمليات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية.

ختاماً، يحرص جلالة الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن دولة مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح، وتوفير فرص العيش الكريم والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويعمل جاهداً وباستمرار على تعزيز مسيرة الديمقراطية الدستورية والتي شهدت في عهده طفرة حقيقية في الحياة السياسية.